شرح قصيدة رأيت بعيني فوق ما كنت أسمع لابن هانىء الأندلسي - درس -

شرح قصيدة رأيت بعيني فوق ما كنت أسمع لابن هانىء الأندلسي

شرح قصيدة رأيت بعيني فوق ما كنت أسمع لابن هانىء الأندلسي

التّقديم:

رأيت بعيني فوق ما كنت أسمع أبيات شعريّة منتخبة من مدحيّة ذات نفس حماسيّ منظومة على بحر الطّويل التّامّ رويّها العين وقد قالها ابن هانئ الأندلسيّ في مدح القائد العسكريّ جوهر الّذي هيّأه الخليفة الفاطميّ المعزّ لدين اللّه الفاطميّ لفتح مصر وإعادة تحريرها من أعداء الإسلام والعروبة في الدّاخل في الخارج لتكون هذه الغزوة استجابة لأفق اتظار الشّاعر وقد بشّر بقرب خاص الأمّة في خاتمة حماسيّته السّابقة.

الموضوع:

يرسم ابن هانئ الأندلسيّ مشهد توديع الجيش متخلّصا إلى مدح كلّ من القائد العسكريّ جوهر والخليفة الفاطميّ المعزّ مثنيا على عظمتهما.

المقاطع:

يقوم النّصّ على قسمين محوريّين يمتدّ أوّلهما من البيت الأوّل إلى البيت الخامس وقد ظهر فيه ابن هانئ منفعلا بمشهد توديع جيش المعزّ زمن تأهّبه لغزو بلاد مصر.

أمّا القسم الثّاني فينسحب على بقيّة الأبيات وقد قام على ثلاث لوحات وصفيّة تولّد بعضها من بعض فامتدّت اللّوحة الأولى من البيت السّادس إلى البيت التّاسع ومدار الوصف فيها على عظمة أمّا اللّوحة الثّانية فمنطلقها البيت العاشر ومنتهاه البيت الثّاني عشر ومرجع الوصف فيها على موصوف مفردا فردا هو قائد الجيش جوهر وقد أخرج مخرج البطل العظيم الجلل وتبقى اللّوحة الثّالثة مستغرقة لما بقي من الأبيات وقد مزج ابن هانئ بين الخليفة المعزّ ووصف قائد الجيش جوهر.

التّحليل: شرح قصيدة رأيت بعيني فوق ما كنت أسمع لابن هانىء الأندلسي

ابن هانئ منفعلا بمشهد توديع جيش المعزّ زمن تأهّبه لغزو بلاد مصر:

إنّ اللّافت للنّظر في القسم هو تواتر حضور ضمير المتكلّم ، فانشدّ الكلام إلى وظيفته التّعبيريّة الانفعاليّة

ما ولّد نفسا وجدانيّا غنائيّا مرجعه إلى ما يعتمل في أعماق الذّات من مشاعر الإعجاب والدّهشة والاستبشار والوله

لتواتر ضمير المتكلّم في شعر الحماسة وظيفة ثانية توحي إلى أنّ شاعر الحماسة ليس محايدا . بقدر ما هو منخرط في مشروع إعادة الاعتبار إلى الإسلام والدّفاع عن أصول العروبة وقيمها

إنّ شعر الحماسة ذاتيّ يخبر عن مواقف شخصيّة من العصر ونظرات ذاتيّة إلى الأمّة.

شاعر الحماسة صاحب رسالة وموقف. وقد علّق المتكلّم بنفسه أفعالا وأحوالا، فجاء فعل الرّؤية البصريّة فاتحة لسائر الأفعال والأحوالوقد انتهى بالشّاعر إلى اكتشاف الفارق الهائل بين المرئيّ من جيش المعزّ .

وهذا ماعمّق افعاله وقوّى وجدانه . فشبّه يوم وداع جيش المعزّ بيوم الحشر في استعارة تصريحيّة تضفي قداسة أخرويّة على المشهد وتخرجه في صورة ملحميّة اسطوريّة. وقد أثّر هذا المشهد الملحميّ الأسطوريّ في ذات الشّاعر . فانقلبت من مرتبة الفاعليّة في البيت المطلع إلى مرتبة المفعوليّة وهذا دليل على منتهى الانبهار بالمشهد.

وقد وصفه بصيغة تفضيل دالّة على تفضيل مطلق “أروع” غير أنّ هذا الانبهار قد أربك الذّات الشّاعرة . وهو ما عكسه ترديد الفعل المنفيّ المسند إليه (لم أدر) . فإذا هي ذات مضيّعة لمعرفتها فاقدة للدّراية شديدة الارتباك وقد تهيّبت الذّات الشّاعرة الاقتراب من الجيشوإن أظهرت ولعها به . وقد علّلت ذلك التّهيّب بالخوف من الجيش وقد شبّه تشبيها بليغا (باللّجّة): غور البحر فالجيش من هذه الجهة أسطوريّ: فالجيش المودّع أسطوريّ ملحميّ يتّصف بالاقتدار والعظمة والقوّة والبأس والثّورة لذلك شبّه باللّجّة:

شرح قصيدة رأيت بعيني فوق ما كنت أسمع لابن هانىء الأندلسي

إنّ إخراج الجيش الموصوف بهذا المخرج معنى حماسيّ دارج بين شعراء المدوّنة الثّلاثة إذ يتّفقون في التّغنّي بالقوّة العسكريّة والثّناء على بطشه وقوّته غير أنّ فضل ابن هانئ هو في التّعبير عن تلك المعاني بصورة جديدة.

إذ قلّما مثّل الجيش بغور البحر للإيحاء ببطشه وقوّته وثورته. وقد قاد الانبهار بالجيش الموصوف ابن هانئ إلى التّهوين عن نفسه واستصغار شأنه باستخدام الاستفهام” وأين” و”مالي” والنّفي”ما لي…”

إنّ تعظيم صورة الجيش بإخراجه مخرج الجيش الأسطوريّ الملحميّ الّذي يبسط سلطانه على الأرض قابله استصغار شأن الذّات. وهذا ما يقتضيه المدح التّقليديّ الّذي يقوم أساسا على الإشادة باآخر وتعظيم شأنه مقابل تغييب الذّات

إنّ تواتر حضور الذّات لم يفض إلى تضخّم صورتها بقدرما أظهرت ذاتا منبهرة متعجّبة ولعة بالمشهد محتقرة لنفسها. وقد وجدت في جيش المعزّ قوّة أسطوريّة هائلة.

المقطع الثاني

اندفع ابن هانئ في اتجاه الوصف مستخدما الجمل الاسميّة والفعليّة. فاتّحدت الجملتان الاسميّتان الواردتان في البيت 6 والبيت 7 في وصف جيش جوهر باخراجه بمخرج الحاشد لكثرة عدده وغزارة عتاده. فوصف بالعسكر النّموذجيّ الّذي لا يضاهى.

اللّوحة الأولى:

  • انصـرف ابن هانئ في اللّوحة الوصفيّة الأولى إلى تصوير جيش جوهر بوصفه موصوفا في صيغة الجمع وقد توسّل إلى ذلك مجموعة من الأساليب الفنّية المخصوصة كالوصف النّاشئ عن الجمل الاسميّة المثبتة أو المؤكدة أو المنفيّية  فأظهر الجيش بمظهر الجيش النّموذجيّ المتفرّد بكثرة عدده وكثافة عتاده بذلك وصف بالحشد وهو إلى ذلك أسطوريّ لا شبيه له ولا نظير وهو ما عبّر عنه الخبر المنفيّ في البيت السّابع الّذي نهض النّفي فيه بتنزيه جيش جوهر عن الأشباه والنّظائر وفضلا عن قالب الجمل الإسميّة عوّل ابن هانئ وهو يجري إلى تضخيم صورة الجيش على أسلوب السّرد وأسلوب الشّرط وقد اتّحد الأسلوبان في ملاحقة أثر الجيش في عناصر الكون كالجبال والأصوات والأمكنة وقد وجد ابن هانئ في الاستعارة فنّا قوليّا ساعده على تحقيق المبالغة في التّسامي بالجيش إلى مرتبة أسطوريّة خارقة معجزة فصارت الجبال بمقتضى الاستعارة أمكنة متحرّكة سيّارة هدفها متابعة الجيش وبذلك أسهم الجيش في تغيير منطق الكون بحمل الجبال على الحركة والسّير ودفع الأصوات إلى السّجود والرّكوع فإذا بالجيش أشبه باإله الّذي تسجد له جميع عناصر الكون ومن ثمّة ساعدت الإستعارة ولا سيما المكنيّة منها ابن هانئ على تأليه الجيش الموصوف وإضفاء أبعاد أسطوريّة عليه وهو ما عضده أيضا التّركيب الشّرطيّ التّلازميّ الّذي قرن فيه بين حلول الجيش وانتشار الحياة في المكان من جهة وهجرته له وانفتاحه على الخراب والموت من جهة ثانية
  • إنّ نزوع ابن هانئ إلى تصوير الجيش في صورة اسطوريّة خارقة معجزة ثابت من ثوابت شعر الحماسة فأثر جيش جوهر في الكون لا يخرج عن أثر جيش المعتصم في الوجود كما كشفه أبو تمّام في حماسيّته الدّائرة على فتح عمّوريّة.

اللّوحة الثّانية:

  • أمّا اللّوحة الوصفيّة الثّانية فقد عدل فيها ابن هانئ عن وصف الجيش في كلّيته إلى وصف قائده جوهر مفردا
  • عوّل المتكلّم في تصوير القائد جوهر على ثنائيّة السّرد والوصف ولبناء صورة قائد الجيش جوهر مزج ابن هانئ بين السّرد والوصف فتعاضدت الأعمال والأحوال في إخراج جوهر بمخرج البطل النّموذجيّ العظيم.
  • يستحيل جوهر في ضوء ما علّق به من أعمال وأحوال قائدا عسكريّا فذّا يحرّكه إلى المعركة واجب دينيّ مقدّس فالحميّة الدّينيّة هي قادحه إلى المعركة ما يجعل فعله العسكريّ جهادا مقدّسا.
  • الحميّة الدّينيّة في شعر الحماسة معنى شعريّ متواتر وبهذا النّحو يصبح جوهر رمزا يراهن عليه الشّاعر من أجل إعادة الاعتبار إلى الإسلام في بلاد المشرق بعد أن دنّست ملامحه.

اللّوحة الثّالثة:

  • ثمّ ما لبث ابن هانئ في اللّوحة الوصفيّة الثّالثة أن جرى إلى وصف الأمير الخليفة الفاطميّ المعزّ لدين الله الفاطميّ في علاقته بقائد جيشه جوهر
  • إنّ اللّوحة الوصفيّة الثّالثة قائمة على التّدرّج من وصف القائد جوهر إلى تعداد المعدّات المعتمدة إلى مدح الخليفة في ذاته.

التّقييم

شرح قصيدة رأيت بعيني فوق ما كنت أسمع لابن هانىء الأندلسي

مقالات ذات صلة

أضف تعليق

لا يمكن نسخ هذا المحتوي

شكرا