شرح قصيدة قبحا لوجهك يا زمان للمتنبي محور الحماسة السنة الرابعة آداب - درس -

شرح قصيدة قبحا لوجهك يا زمان للمتنبي محور الحماسة السنة الرابعة آداب

شرح قصيدة قبحا لوجهك يا زمان للمتنبي محور الحماسة السنة الرابعة آداب

التّقديم:

قبحا لوجهك يازمان قسم من مطوّلة رثائيّة قالها أبو الطيذب المتنبّي في رثاء أبي شجاع فاتك وقد كان نموذجا أعلى في القيم الأصيلة والمعاني النبيلة وقد تضخّم نفس الحماسة في القسم المعنيّ وامتزجت فيه أغراض مختلفة كالشّكوى والرّثاء والهجاء.

الموضوع

يلوم المتنبّي الزّمان منتهيا إلى رسم صورة نموذجيّة عن أبي شجاع فاتك اساسه المعاني الحربيّة مبالغا في الإخبار عن أثر موته في الوجود.

المقاطع:

ينهض النّصّ على ثلاثة مقاطع يستغرق المقطع الأوّل منها البيتين الأوّلين مداره على شكوى الشّاعر من الزّمان. أمّا المقطع الثّاني يمتدّ من البيت الثّالث إلى البيت الخامس وقوامه الإخبار عن أثر غياب المرثي في الموجودات أمّا المقطع الثّالث فينسحب على بقيّة أبيات النّصّ وأساسه تعداد لمناقب المرثيّ وتعظيم لبطولته الحربيّة.

منشورات أخرى قد تفيدك

الشّرح

المقطع الأوّل من شرح قصيدة قبحا لوجهك يا زمان للمتنبي : شكوى الشّاعر من الزّمان.

عوّل المتنبّي في المقطع الأوّل على ثنائيّة الإنشاء والخبر وكانت الهيمنة لأسلوب الإنشاء وقد أنجز بالدّعاء والنّداء (يا زمان) والاستفهام(ب2) وهذا ما عمّق البعد الانفعاليّ للكلام وكشف اضطراب الذّات المنشئة له فهي ذات متصادمة مع الزّمن تشكو فعله وتضيق بوقعه.

لذلك دعت عليه بالقبح والبشاعة ونادته نداء بالنّداء مفتوحا على الذّمّ والتّحقير والتّحقير والتّقريع غير أنّ التّشكّي من الزّمن يبقى معنى تقليديّا متواترا في التّراث الشّعريّ

وقد جاء الخبر الطّلبيّ معلّلا لموقف الذّات من الزّمان وقد قام على استعارة مكنيّة شبّه فيها الزّمان بالإنسان وغيّب المشبّه به وأشير إليه ببعض لوازمه ( وجه وبرقع) وقد نهضت الصّورة الإستعاريّة بتشويه الزّمن وتوثيق صلته بالمقابح والمفاسد فأخرجته بمخرج العاقل المشدود إلى المكر والخبث والدّهاء والمراوغة وقد ظهر الاستفهام بنية مخصوصة قائمة على التّقابل بين صورتين ليعبّر بذلك عن التّعجّب والتّحسّر والاستغراب والذّمّ ومأتى التّعجّب ظلم الزّمن في الحكم على البشر فقد حكم على أبي شجاع فاتك والحال أنّه النّموذج الأعلى في الخير والنّبل والسّموّ في المقابل حكم لكافور الإخشيديّ النّموذج الاسوإ في القبح الخلقيّ والأخلاقيّ بالحياة

وبهذه المقابلة امتزج الرّثاء بالهجاء وهو هجاء معنويّ مرجعه إلى صفتين (الحاسد الأوكع)وهو هجاء خلقيّ مردّه إلى صفة ”الخصيّ”

غير أنّ رثاء أبي شجاع فاتك إنّما هو رثاء للقيم المحمودة الأصيلة الآخذة في التّراجع والتّقهقر في القرن الرّابع الهجريّ أمّ هجاء كافور فإنّه هو الآخر لا يعدو أن يكون هجاء للقيم الفاسدة الطّارئة على العصر.

المقطع الثالث من شرح قصيدة قبحا لوجهك يا زمان للمتنبي : الإخبار عن أثر غياب المرثي في الموجودات

خلص المتنبّي في المقطع الثّاني إلى إجراء الأسلوب الخبريّ معتمدا السّرد المنجز بجمل فعليّة فنزّلت المغامرة المحكيّة في إطار مخصوص لاحق بزمن موت المرثيّ وهو ما يوحي بنزوع الشّاعر إلى رصد أحوال الوجود وعناصره في غياب المرثيّ. لكنّ التنبّي وهو يسرد أفعال الموجودات في الحاضر فإنّه يومئ ضمنيّا إلى صورتها ماضيا قبل موت المرثيّ.

صورة الموجودات قبل موت المرثيّ:

الصّورة الضّمنيّة: نفور الوحوش البرّيّة وعدم استقرارها بسبب الفزع من المرثيّ والخشية من بطشه.      ــــــــــــــ  المرثيّ بطل قاهر للوحوش مرعب لها

الصّورة المنطوقة: قرار الوحوش واستعادتها للتّوازن والسّكينة.

الصّورة الضّمنيّة: الصّدام بين السّياط والخيول من أجل حثّها على القتال/الالتئام بين الخيول وأعضائها

الصّورة المنطوقة: التّصالح بين السّياط والخيول

الصّورة الضّمنيّة: الانفصال بين الخيول والسّوق وأذرعها بفعل الإفراط في خوض المعارك والمواقف القتاليّة.

الصّورة المنطوقة: الالتئام بين الخيول وأعضائها.

دوام مطاردة الفرسان              توقّف مطاردة الفرسان

السّنان راعف                     سنان صامت غير راعف

الرّمح يلمع                          الرّمح لا يلمع

تقوم صورة الموجودات في حضرة ابي شجاع فاتك على الحركة والاضطراب والفعل والقتل وهو ما يجعل المرثي بطلا حربيّا كان له أثره في الوجود وقد شغل الدّنيا بشجاعته وبطولته وملأ الكون بأعماله البطوليّة فلم يسلم من بطشه البشر والوحش أمّا صورة الموجودات بعد موته فقوامها الهدوء والاستقرار والسّكينة والافتقار إلى قيم الحرب ومعاني البطولة فلكأنّ غياب المرثيّ إنّما هو غياب لقيم الفروسيّة ومعاني الشّجاعة عن الكون

المقطع الثالث من شرح قصيدة قبحا لوجهك يا زمان للمتنبي : تعداد مناقب المرثيّ وتعظيم لبطولته الحربيّة.

يسترسل الشّاعر في التّعويل على الأسلوب الخبريّ غير أنّه عدل عن حكاية حال الوجود في حضرة أبي شجاع فاتك إلى حكاية أفعال المرثيّ وأحواله قبل مماته

عوّل المتنبّي وهو يؤبّن مرثيه على ظاهرة التّوازي التّركيبيّ وهو تواز جزئيّ حينا كما في ب7 وكلّي حينا آخر كما في البيت8 وفي البيت 9 وهو تواز عموديّ حينا وأفقيّ حينا آخر

بدا المتنبّي متفنّنا في إجراء ظاهرة التّوازي التّركيبيّ ظاهرة أسلوبيّة عمدتها على إعادة نفس البنية التّركيبيّة إعادة نسبيّة أو تامّة ويمكن للتّوازي التّركيبيّ أن يمسّ مركّبا نحويّا كما هو الحال في البيت7 وقد يمسّ هذا التّوازي جملة تامّة كما هو الحال في البيتين 8و9 وقد جاء التّوازي أفقيّا وعموديّ

تحقّق التّوازي التّركيبيّ بين صدر البيت التّاسع وعجزه في حين تحقّق التّوازي التّركيبيّ العموديّ بين ب8 وب9 وقد رفد هذا التّفنّن في إجراء ظاهرة التّوازي إيقاع الكلام وكثّفه وقوي بعد الحماسة فيه

تضافرت التّراكيب المتماثلة في رسم صورة شخصيّة ذاتيّة عن البطل المرثيّ أساسها صفات ثلاث هي من سمات البطل الحماسيّ أوّلها إغاثة المظلومين من المسلمين وإعادة الاعتبار إلى اللّاجئين منهم أمّا الصّفة الثّانية فمدارها على البطولة الحربيّة في حين تقوم الصّفة الثّالثة على السّموّ بالمرثيّ إلى مرتبة الحاكم الجمع الّذي يتّسم بالعظمة.

إنّ التنبّي وهو يؤبّن قد اصطنع له صورة نموذجيّة أخرجته بمخرج الفتى الكاما وتأكّدت ملامح هذه الصّورة في البيت 10 المبنيّ على تتدرّج من الإثبات إلى الاستدراك فقد عمد إلى وصف مرثيه مستخدما صيغة التّفضيل المطلق للإعلاء من فروسيّة الميّت وإخراجه بمخرج النّموذج الأوفى في البلاء الحربيّ (أسرع فارس)

إنّ صورة المرثيّ بوصفه بطلا فارسا صورة تقليديّة معادة فاستقرّت معالمها في الشّعر الجاهلي مع طرفة بن العبد غير أنّ الإشادة بفروسيّته سرعان ما انطفأت بالاستدراك المفضيّ إلى تغليب المنيّة على المرثيّ وفي ذلك إقرار بضعف الإنسان أمام الموت ولعلّ ذلك ما دفع بالذّات الرّاثية إلى الإحساس بالخيبة واليأس والانفعال وهو ما عبّر عنه الإنشاء الطّلبيّ المنجز بالدّعاء فقد شرّع لغير المرثيّ من الفرسان بالقعود والاستسلام مثلما يدعو على الأربع بالانقطاع عن الجياد والخيول.

يكشف هذا الدّعاء ميل المتنبّي إلى تضخيم المصاب وتعظيم الخطب حتّى استحال موت المرثيّ موتا لقيم الفروسيّة ومثل الحرب

تقويم شرح قصيدة قبحا لوجهك يا زمان للمتنبي:

النّصّ عيّنة من الشّعر الحماسيّ لانفتاحه على نفس حماسيّ وإن لم يكن لافتا فإنّه قد وسمه بمياسم فنّيّة ومضمونيّة محدّدة:

 المياسم الفنّيّة:

احقل المعجميّ:البنية المعجميّة بنية مفتوحة على المعجم الحربيّ ومتعلّقاته كمعجم الفروسيّة باعتباره معجما فرعيّا داخلا في معجم الحرب [الوحش/السّياط/السّنان/طعنة/رمحا/جواد/أربع…]:النّصّ من جهة المعجم حماسيّ بامتياز

الصّورة الشّعريّة: نهض النّصّ على صور فنّية تنتسب أطرافها إلى دائرة الحرب كصورة السّنان الرّافع أو صورة الحسام اللاّمع أو صورة السّيف أو صورة المرثيّ في طعنه وبلائه

الإيقاع: تضافرت في بنائه ظواهر أسلوبيّة :استخدام صوت الّين في البيتين الأخيرين وهو صوت صفيريّ يوحي بخيبة الذّات الشّاعرة وبتأزّمها جرّاء فقد رمز من رموز الأصالة العربيّة

أنماط الخطاب: لم يغب عن هذا النّصّالسّرد والحوارغير أنّ السّرد فيه لم يدلّ على الحركة والصّراع والفعل كما الحال في مواقف قتاليّة محكيّة سابقا بقدر ما أخبر عن التّحوّل عن الحركة إلى الثّبات والاستقرار والهدوء.

المعاني: يبدو النّصّ من جهة معانيه مفتوحا على الحماسة ومضامينها فالبطل الموصوف فيه بطل حماسيّ من صفاته الشّجاعة والفروسيّة وإغاثة المظلومين والدّفاع عن حمى الإسلام والعروبة.

  • يبدو أنّ المتنبّي لم يستطع أن يحتفظ لشعر الحماسة بوظيفة أساسيّة من وظائفها مرجعها إلى استنهاض الهمم وحفزهم إلى الفعل وتحريضهم على معاودة القتال وهو ما جسّمه البيت الأخير باعتباره كاشفا عن رؤية متشائمة من الوجود وهو ما يتناقض وغاية الشّعر الحماسيّ.

مقالات ذات صلة

أضف تعليق

لا يمكن نسخ هذا المحتوي

شكرا