شرح قصيدة الجواري المنشآت ابن هانىء - درس -

شرح قصيدة الجواري المنشآت ابن هانىء

شرح قصيدة الجواري المنشآت ابن هانىء من الشّعر الحماسي، قصيدة في وصف الأساطيل الحربية للمعز لدين اللّه الفاطمي

التّقديم:

النّصّ قسم من مدحيّة قيلت في تمجيد المعزّ لدين الله الفاطميّ أمير الدّولة الفاطميّة وتعداد مظاهر قوّته العسكريّة وقد أنشأها ابن هانئ وهوأحد شعراء الأندلس في القرن الرّابع الهجريّ وقد نظمها على بحر الطّويل التّامّ وجعل من الدّال رويّا لها.

الموضوع:

يندفع ابن هانئ إلى وصف مكوّنات أسطول الممدوح مضخّما من عظمته متوعّدا أعداء الدّولة الفاطميّة من الرّوم وبني أميّة بسوء العاقبة.

المقاطع:

ينهض النّصّ بمقتضـى الموصوف فيه على مقطعين يمتدّ أوّلهما من البيت الأول إلى البيت العاشـرومداره على وصف لسفن المعزّ الحربيّة أمّا المقطع الثّاني ينسحب على بقيّة الأبيات ومداره على وصف الآلة الحربيّة.

منشورات أخرى قد تفيدك:

التّحليل:

وصف لسفن المعزّ الحربيّة:

لم يجر ابن هانئ إلى مدح المعزّ مدحا صريحا مباشرا بقدرما سعى إلى وصف مظاهر قوّته العسكريّة عاملا في البداية على وصف سفنه مشبّها إياها بالقباب لجامع العلوّ والرّفعة بينهما وليس وصف السّفن الحربيّة سوى معنى جديدا مخصوصا تفرّد بطرقه ابن هانئ فعوض وصف الخيول والجياد كما الحال مع أبي تمّام والمتنبّي عمل ابن هانئ على وصف سفن الممدوح وقد مثّل لها بالقباب لإثبات رفعتها وعلوّها وعظمتها إذ شبّه السّفن الحربيّة بالقباب شبها متأثّر بمعطى حضاريّ يحيل إلى خصوصيّة البيئة الأندلسيّة وهو ما يوحي بأنّ ابن هانئ يتّخذ من سياقه المرجعيّ الأندلسيّ مرجعا لصوره. لكنّه مع ذلك لم يتخلّص من السّنّة الشّعريّة حينما استعار لجيش المعزّ صورة الأسود لتعظيم شأنه وتضخيم شجاعتهوالإعلاء من بأسه.

إنّ الصّور المصنوعة في النّصّ صور محكومة بالتّاعي والتّتابع وقد اخترقها مؤثّران : أحدهما حضاريّ راجع إلى تأثّر الشّاعر بخصوصيّة البيئة الأندلسيّة وثانيهمامؤثّر ثقافيّ مردّه إلى تأثّر ابن هانئ بالتّراث الشّعريّ وبذلك فإنّ شعر ابن هانئ الحماسيّ شعر يتنازعه قطبان : أحدهما مرجعيّ تطغى عليه الخصوصيّة وثانيهما ثقافيّ يشدّه إلى التّراث فجاءت الصّورة الأولى محكومة (شبّه السّفن بالقباب) إلى المؤثّر المرجعيّ. في حين جاءت الصّورة الثّانية استعارة الأسود للتّعبير عن جيش المعزّ مشدودة إلى مؤثّر تقليديّ.

وقد عمد ابن هانئ إلى استخدام الإنشاء غير الطّلبيّ باعتباره اسلوبا إنشائيّا لا يجري إلى الطّلب بل يجري إلى التّعبير وبذلك يبدي ابن هانئ تعجّبه من استخفاف الرّوم بجيش المعزّ والحال أنّه جيش تسنده قوى غير بشريّة كالملائكة والرّياح والنجوم. وبهذا النّحو يصبح الوصف خياليّا أسطوريّا يمتزج فيه المحكيّ بالمستحيل والواقعيّ بالخياليّ وهو ما يقرّب النّص من أجواء الملحمة باعتبارها حكاية لتغريبة أمّة تقوم على الخوارق والمعجزات غير أنّ اتخاذ الملائكة سندا لسفن المعزّ إنّما هو معنى حماسيّ طرقه أبو تمّام في القرن الثّالث الهجريّ قبل ابن هانئ كما إنّ اتّخاذ عناصر الطّبيعة قوى مساعدة على قتال الأعداء إنّما هو معنى حماسيّ مستقرّ.

  • إنّ تعمّد ابن هانئ إخراج قوّة المعزّ لدين الله الفاطميّ بهذا المخرجالأسطوريّ الخياليّ يرتقي بالممدوح إلى الممدوح إلى مرتبة الأبطال الملحميّين القادرين على إتيان الخوارق والمعجزات
  • إنّ اقتراب الحماسة إلى دائرة الملحمة معطى يشترك فيه ابن هانئ مع أبي تمّام وأبي الطّيب المتنبّي.
  • إنّ جيش المعتزّ بهذا الوصف يباركه الله ما يوحي بأنّ دافعه إلى القتال الحميّة الدّينيّة والحميّة القيميّة فهو جيش جهاديّ ينازل في سبيل حماية شمس الإسلام وصيانة العروبة وتخليد القيم الفاضلة
  • استحضـر ابن هانئ ملك الرّوم في خبرطلبيّ مؤكّد بالحصـر في ب6………………………

إنّ نظام التّصوير عند ابن هانئ محكوم بالمراكمة بين الصّور وبناء الصّورة على أنقاض الأخرى. لذلك عمد إلى إخراج دخان السّفن بمخرج الغمام في استعارة تصريحيّة غاب منها المشبّه وحضر المشبّه به وقد أورد بعض ملائمات المشبّه كالبارقات والرّعود والمكفهرّ وهو ما أدّى إلى تضخّم صورة الموصوف وإخراجه بمخرج القوّة الأسطوريّة الجبّارة حتّى لكأنّ سفن المعزّ الحربيّة شبيهة في قوّتها بثورة الطّبيعة وقد قطع ابن خفاجة مسار الوصف بوقفة سرديّة عابرة في البيت 8 أسند فيها الشّاعر إلى السّفن فعلين (أناخت سما) دالّين على تساميها وتعاليها وشموخها وهو ما يوحي بشموخ المعز ورفعته وسموّهلكن ابن هانئ سرعان ما عاد إلى الوصف منقلبا بالسّفن الحربيّة من حال الحركة والجريان إلى حال الثّبات والسّكون والرّسوّ وقد عقدت صلة شبه بينها وبين الجبال للإيحاء بضخامتها وقوّتها وقد شبّهها بالطّيور في صورة بيانيّة قلب فيها ابن هانئ دلالة الطّير مستخدما الاستدراك واسلوب الحصر فلم تعد الطّيور سفن المعزّ الحربيّة محيلة على الوداعة وسلامة الفضاء بل أصبح دالاّ على الشّكّ والبطش والبأس.

إنّ ما دفع ابن هانئ إلى قلب دلالة الطّيور هو نفس الحماسة المتمكّن من النّصّ. فالمقام مقام تحفيز على القتل وتحريض على النّزال وتحريك للهمم وليس مقام تغنّ بالسّلام والوداعة والأمانة وعلى هذا النّحو لا تنحو الصّور والمعاجم والإيقاع من التّلوّن بألوان الحماسة.

2. وصف الآلة الحربية

صرف ابن هانىء همّمته في المقطع الثّاني إلى وصف آلة المعزّ الحربيّة لذلك تواتر معجم مخصوصمحيل على النّار ومتعلّقاته(القادحات/تضرم/خمود/الوقود/ الحاميات).

إنّ انشداد المقطع الثّاني إلى معجم النّار منسجم مع منزع ابن هانئ إلى ترهيب الأعداء وتوعّدهم بسوء المصير

استرسل ابن هانئ في وصف آلة المعزّ الحربيّة وصفا اسطوريّا ملحميّا متوسّلا إلى ذلك صورا تمثيليّة تعالقت فيها الاستعارة بالتّشبيه فقد شبّهت صورة حرّاقات المعزّ في حال اضطرامها وزفيرها  من خلال تشبيه تمثيليّ بصورة الوقود المنبعث من نار الجحيم بهدف تضخيم فعلها في العدوّ وتهويل أثرها في الآخر وبذلك ارتقى ابن هانئ بآلة المعزّ الحربيّة إلى مرتبة الآلة الأسطوريّة الّتي تضاهي في فعلها فعل العقاب الإلهيّ في الآخرة.

نهضت هذه الصّورة بوظيفة الوعيد والتّوعّد فمصير أعداء الإسلام سيكون مع المعزّ كمصير المشركين في الآخرة وقد عمد ابن هانئ إلى إخراج الآلة الحربيّة من دائرة غير العاقل إلى دائرة العاقل بأن شبّهها بالإنسان حينما استعار لها بعض لوازمه (زفرت/الغيض) في استعارات مكنيّة صارت بها الآلة الحربيّة ذاتا إنسانيّة تنفعل وتغضب

إنّ دور هذه الصّور المتتابعة هو تغيير هويّة الآلة الحربيّة لتصبح آلة متحرّكة ذات خصئص إنسانيّة

تراكمت الاستعارات مع بعض التّشابيه البليغة فشبّهت أنفاس الآلة بالصّواعق لجامع القوّة والعنف وشبّهت …….. بالحديد لجامع البطش والفتك بينهما.

إنّ هذه الصّور صور تمثيليّة تؤكّد صنعة ابن هانئ وتثبّت منزلتها في شعر الحماسة باعتبارها أداة فنّية تتيح المبالغة في تضخيم الموصوف وتهويل قوّته وبطشه وقد تركّز الوصف في هذا النّموذج على تعداد مظاهر قوّة الاسطول الحربيّ للممدوح بهدف التّرهيب والتّخويف والتّوعّد والوعيد وهو ما جسّمه البيت14 الّذي بدأ فيه ابن هانئ متوعّدا أعداء الدّاخل (بقايا بني أميّة) وأعداء الخارج (الرّوم)

يتوعّد ابن هانئ أعداء الأمّة في الدّاخل والخارج بعقاب جهنّميّ وبذلك يظفي على المعزّ بعض صفات اللّه في ضرب من الوصف الملحميّ.

التّقويم:

إنّ ما أهّل هذا النّصّ ليكون نصّا حماسيّا قرائن أسلوبيّة مخصوصة ودلائل مضمونيّة معينة فهو معجميّ عن دائرة الحرب وآلتها وهو تصويريّ لم يبارح المبالغة والتّهويل في رسم الصّورة التّمثيليّة.

مقالات ذات صلة

أضف تعليق

لا يمكن نسخ هذا المحتوي

شكرا