انفتاح حدث أبو هريرة على الانسان - درس -

انفتاح حدث أبو هريرة على الانسان

القرائن الفنّيّة:

كثيرة هي القرائن الفنّيّة الّتي تؤكّد انفتاح رواية حدث أبو هريرة على الانسان من ذلك القرائن التّالية:

رمزيّة الشّخصيّات:

الشّخصيّات بقطع النّظر عن أسمائها ليست إلاّ أقنعة لأفكار مطلقة إذ هي ترتدي أثواب الرّموز من ذلك:

  • الصّديق المجهول: في” حديث البعث الأوّل” هو مستقبل أبي هريرة في مغامرته الوجوديّة فالصّديق المجهول هو السّابق إلى تجربة تأصيل الكيان وهو ما تأكّد في قوله” كرهت حياتي بين الأموات”( حديث البعث الأوّل) وأبو هريرة هو اللّاحق.
  • أبو هريرة: رمز الإنسان الّذي وعى زيف حياته فحاول أن يضطلع بمغامرة وجوديّة يؤمّل بها كيانه فكان رمز الإنسان المريد التّوّاق إلى نحت ذاته بكسب وجهد ـــ   أبو هريرة قناع حدّث من ورائه المسعديّ عن حقيقة الإنسان بماهو أساسا كائن مريد خلاّق مبدع رافض للمعطى والجاهز وثائر على السّبل المسطورة.
  • ريحانة: رمز يقظة الحسّ في سياق مغامرة البطل الوجوديّة من أجل نحت الكيان فهي علامة من علامات إرادة التّوغّل في الحياة والكشف عن أسرارها في تجربة أبي هريرة فكانت رمز الجسد وصورة من صور الأنوثة الحيّة ” فهي الطّبيعة إن أشرقت وتفتّحت وهي الزّهرة الملغمة بالنّار”. ثمّ هي العقبة والبيت والطّريق الواقف.
  • أبو المدائن: هو الشّخصيّة الّتي تروي خمسة أحاديث وهو صورة أبي هريرة في الماضي ( قبل البعث الوجوديّ) رمز الاعتقاد والإيمان الرّاسخ بأن ليس في الإمكان أبدع ممّا كان ــــ أبو المدائن هو الذّات الممحيّة في البطل أبي هريرة أي أنّ ذات أبي هريرة القديم مجسّدة في أبي المدائن.

رمزيّة الأزمنة:

ارتبطت الأزمنة في حدّث أبو هريرة قال:… بدلالة رمزيّة من ذلك القرائن التّالية:

  • الفجر: الفجروهو زمن البداية يمثل فاصلا بين الظّلام والنّور بين العدم والوجود، لذلك ارتبط الفجر دائما بدلالة البداية والحركة واليقظة الوجوديّة وهو ما تأكّد في قول أبي هريرة ” إذا استطعت فاجعل كامل حياتك فجرا” ( حديث الوضع )ــــ الفجر رمز انطلاقة الحياة.

الغروب: الغروب وهو زمن النّهاية يتلبّس بالوحشة والقتامة ويرمز إلى نهاية المغامرة الوجوديّة والمصير المأساويّ الّذي يتهدّد الإنسان ـــــــــــــ اختيار الغروب زمنا لنهاية حدّث أبو هريرة قال:… ليس اختيارا عفويّا وإنّما أراده المسعديّ للتّأكيد على أنّ الوجود الإنسانيّ ”كون”/ الفجروالبعث فـ”استحالة” / المغامرة الوجوديّة لأبي هريرة بأبعادها المختلفة فـ”مأساة” / النّهاية الكارثيّة لتجربة البطل.              ــــ قال الحفناوي الماجريّ:” أحداث حدّث أبو هريرة قال:… يوم واحد مغلق بين الشّروق( البعث الأوّل) والغروب( البعث الآخر) فكان الزّمن دائريّا كرمز لقصر الزّمن العادي وتفاهته أمام الزمن الأزليّ ( محمود المسعدي من الثّورة إلى الهزيمة في حدّث أبو هريرة قال:…)

رمزيّة الأطر المكانيّة:

تأخذ الأمكنة في حدّث أبو هريرة قال:… دلالات رمزيّة صرفة من ذلك الأماكن التّالية:

  • مكّة: تأخذ مكّة رمزيّا دلالة المكان المرتبط بالجمود والعادات والتّقاليد الجاهزة ـــــ  مكّة ثقل حضاريّ ومكان مغلق وهو ما تأكّد من خلال مغامرة البطل أبي هريرة: نشأة بذرة القلق الوجوديّ في البطل من خلال حديث البعث الأوّل انبثقت لحظة خروج البطل من مكّة إلى الصّحراء ـــــ قال أبو هريرة :” ثمّ …….وانصرفنا عن طريق القوافل” ( حديث البعث الأوّل).
  • الصّحراء: تأخذ الصّحراء دلالة المكان المنفتح المناقض لمكّة باعتبارها مكانا مغلقا لذلك ارتبطت الصّحراء بمفاهيم المغامرة والمجهول وبكارة الوجود بل تحوّلت الصّحراء من دلالة عالم الجفاف والجدب إلى عالم الحياة الفرح والخصوبة واكتشاف حقيقة الوجود.ـــــ الصّحراء حيث عاين البطل مشهد صلاة الفتى والفتاة في حفل مقدّس طهّرت أباهريرة من قيم حياته الزّائفة وفتحت وعيه على حقيقة موته في الحياة : الصّحراء هو المكان الّذي اكتشف فيه البطل أنّه ” ميت بين الأموات”.
  • كراع الغميم: وصف هذا المكان على أنّه ” وادي ذي رمل أرض الجنّ، لا يجرؤ عليه أحد به المعصرات المعميات”. مكان متطرّف ونقيض المكان الاجتماعيّ المألوف: تناسب بين خصائص المكان ونفسيّة البطل: مكان موحش ومنعزل لبطل يطلب الوحدة والعزلة.
  • حيّ الأنمار:حيّ في الصّحراء تحجبه عن مكّة كثبان رمال: حيّ الأنمار هو الوجه الآخر لمكّة: مكان متحرّر من سلطة القيم الأخلاقيّة وفيه سيمارس البطل تجربته الحسّيّة بكلّ طقوسها الوثنيّة والإباحيّة.
  • الدّير: وقالت ظلمة في وصفه” وكان قليلا من يطرق علينا لمنعة الجبل وشدّة الدّير وعسره وانفصاله من الأرض”. ( حديث الغيبة تطلب فلا تدرك). فالدّير منفصل عن الأرض قريب إلى السّماء كرمز لطبيعة التّجربة الّتي سيخوضها البطل: تجربة نسيان الجسد والاشتغال بالرّوح من اجل بلوغ الحقّ والاتّحاد بالسّماء. ــــــــــ الير بانفصاله عن الأرض مكان وسط بين الحيوانيّة والالوهيّة.
  • البحر في تجربة الحكمة: يأخذ البحر في تجربة الحكمة رمز المكان الدّالّ على اللّا تناهي في الآفاق والأسرار العميقة. ـــــ البحر فضاء للتّأمّل العقليّ والتّحوّل من عالم المحدود والنّسبيّة إلى عالم المطلق ـــــ قال البطل عن أثر البحر فيه:” أقبلت على البحر فهالني البحر”. (حديث الحكمة).
  • الجبل: في خاتمة التّجربة الوجوديّة: اختيار الجبل مكانا لنهاية المغامرة الوجوديّة اختيار وظيفيّ باعتباره مكانا يؤكّد طلاق البطل مع عالم الدّنيا وعروجه إلى السّماء.

رمزيّة اللّغة:

اللّغة في حدّث أبو هريرة قال:… نأت عن الشّفافيّة والوضوح لتكون لغة أقرب إلى الشّعريّة والإيحائيّة : حرص المسعديّ على أن يكثّف الطّاقة الإلماعيّة والإيحايّة في لغة أثره تكثيفا مقصودا ليجعل من أحداث مغامرة بطله أحداثا تلامس الإنسان في مطلق المكان والزّمان:اللّغة في حدّث أبو هريرة قال:… تلمّح أكثر ممّا تصرّح ــــــــــ قال توفيق بكّار عن اللّغة في حدّث أبو هريرة قال:… ” اللّغة تتحرّك في النّصّ مشحونة بمادّة الفكر الحديث ومثقلة في الآن نفسه بتالد معانيها: لغة قديمة جديدة. ( مقدّمة حدّث أبو هريرة قال:… )

القرائن المضمونيّة:

القرائن المضمونيّة الّتي تؤكّد ارتباط حدّث أبو هريرة قال:… باطنا بالإنسان مطلقا كثيرة من ذلك القرائن التّالية:

إثارة المسائل الماهويّة الفلسفيّة:

  • تجاوز أثر حدّث أبو هريرة قال:… إثارة القضايا الظّرفيّة للانخراط في صلب القضايا الإنسانيّة الخالدة المتعلّقة بــ: ماهيّة الإنسان ووظيفته في الوجودوحدود إرادتهوعلاقته بذاته وبالآخر وبالسّماء وكيفيّة ترجمته لمستطاعه وأبعاد كيانه… ـــــ تجذّر حدّث أبو هريرة قال:… في صلب هذه القضايا الماهويّة ينزّله في أفق إنسانيّ: أثر يخاطب الإنسان في مطلق الزّمان والمكان ــــــ قال توفيق بكّار عن حدّث أبو هريرة قال:… ” فهي ككلّ أدب حيّ منتهية متجدّدة منغلقة من حيث هي أجوبة نهائيّة على رؤية صاحبها وإيمانه بأنّ المأساة حقيقة الإنسان في الكون ومن حيث هي أسئلة جذريّة عن معنى الوجود منفتحة على القرّاء اليوم وغدا تخضّ الضّمائر حتّى لا ترضى بالواقع معطى… ” (مقدّمة حدّث أبو هريرة قال:…)

انصهار الثّقافات في الأثر:

  • لئن بدا أثر حدّث أبو هريرة قال:… متجذّرا في الثّقافة العربيّة الإسلاميّة فإنّ ذلك لم يمنع المسعديّ من الانفتاح على الثّقافات الأخرى وخاصّة:
  • الثّقافة الإغريقيّة: مفهوم المأساة بماهو المصير الّذي يتهدّد الوجود الإنسانيّ:ــــــ   تأكيد المسعديّ من خلال مسيرة بطله الوجوديّ أنّ الفاجعة هي مآله رغم مستطاعه الخلاّق وإرادته المبدعة.

قال الأستاذ توفيق بكّار:” المسعدي يتبوّأ منزلة بين المنزلتين يختلف عن المجدّدين بتأكيد ثقته في قدرة الأشكال الموروثة على استيعاب روح العصر ويختلف عن السّلفيين بأنّه لا يقتصر على تقليد تلك الأشكال وإنّما يعمل على إعادة خلقها حتّى تسع روح العصر.” ( جدليّة القدم والحداثة )

أضف تعليق

لا يمكن نسخ هذا المحتوي

شكرا