الاستطراد في رحلة الغفران أنواعه وظائفه - درس

الاستطراد في رحلة الغفران أنواعه وظائفه

الاستطراد أسلوب فنّي مميّز لرحلة الغفران وهو الخروج عن الخطّ الرّئيسيّ للحديث إلى أخرى ثانويّة فرعيّة هو في الأصل أسلوب مشافهة ترسّخ في لحظة التّدوين وعند الإملاء حتّى بات سنّة كتابة وحلية للتّأليف وقد تكثّف استعماله عند تلامذة الجاحظ.

الاستطراد في رحلة الغفران أنواعه وظائفه

أنواعه

الاستطراد في الغفران على ضربين باعتبار الكمّ:

استطراد مطوّل يغلب عليه الإطناب يتعمّده المعرّي ويستفيض القول فيه واستطراد موجز خاطف.

أمّا من حيث النّوع فمنه الشّعريّ ومنه المعجميّ ومنه اللّغوي البلاغي أو النحوي أو العروضيّ أو القرآني.

كما تتنوّع مواضعه فهو يتوسّط السّرد حينا ويختتمه حينا آخر وقد يخترق الحوار أحيانا أخرى

وظائفه

وبذلك يكون الاستطراد اسلوبا مميّزا لرحلة الغفران وإنّ كان نهج كتابة فإن المعرّي قد انتهجه لتحقيق غايات منها

السّخرية من ابن القارح:

  • الاستطراد القائم على الجمل الدّعائيّة الاعتراضيّة المخالفة للمقام  إذ وظّفها المعرّي توظيفا مغايرا يخدم وظيفة السّخرية من خلال قلب مبدإ مناسبة المقال للمقام إلى مبدإ مخالفة المقال للمقام

إذ التزم المعرّي بتنويع الجمل الدّعائيّة من موقف إلى آخر كلّما ورد ذكر اسم ابن القارح فمنا مان قائما على التّفارق بين الجمل الدّعائيّة والفعل ومنها ماكان أساسها التّفارق بين الجمل الدّعائيّة والصفات البطل. والحال أنّه من شروط الجمل الدّعائيّة أن تكون منسجمة مع شخص المرسل إليه باعتبارها إمّا جملا متعلّقة بفضيلة دينيّة أو قيميّة

ومن أوجه التّفارق بين الجمل الدّعائيّة والفعل أو السّلوك اللّذين يأتيهما البطلقوله: “ويخلو لا أخلاه اللّه من الإحسان بحوريّتين من الحور العين”. وقوله أيضا:” ويخطر له، جعل اللّه الإحسان إليه مربوبا”. ففي الأولى يتأسّس تفارق جذريّ بن الدّعاء المتعلّق بفضيلة الإحسان في ابن القارح بينما المقام والفعل شهوانيان. وفي الجملة الثانية الجملة الدّعائيّة ثمّة تأطيد لمعنيي الإحان والودّ وموضوع التذكّر متعلّق بالقيان.

وهكذا فإنّ الجمل الدّعائيّة في رحلة الغفران ليست اختيارا مغسولا من الدّلالة. وإنّما تشغل هذه الجمل باعتبار عدم تناسبها مع حقيقة البطل من جهة وتناقضها مع الحال والموقف من جهة أخرى وظيفة السّخرية من ابن القارح والعبث به.

  • الشّروح اللّغويّة بمختلف ضروبها: نزّل المعرّي من خلالها ابن القارح في هيأة المفتقر إلى لمعرفة الجاهل بها. وذلك عائد إلى ثبوت تكلّف ابن القارح في رسالته الابتدائيّة بما تكلّفه من تحسين التّعبير وتجويد العبارة والتّأنّق في الصّياغة. فإنّ المعرّي يقلب المعادلة على نحو يكون فيه ابن القارح في موضع التّلميذ، الذي لا يزال في حاجة إلى دروس في الأدب وقضاياه.
  • وما يشفع هذا الاستنتاج أنّ المعرّي كثيرا ما يظهر هذه الاستطرادات ببعض الجمل الّتي من شأنها أن تنبّه قارئ الرّرسالة إلى حقيقة وظائف الاستطرادات من ذلك قوله:” وذات أنواط، كما يعلم، وهو أدام اللّه تمكينه يعرف، وهو أكمل اللّه زينة المحافل بحضوره يعرف” هذه القرائن التي تسبق الشّروح تؤكّد أن الاستطرادات دروس فيها سخرية من ابن القارح ويقول محمّد عزّت في هذا السّياق:” …. فهذا الشّرح المقحم في متن النصّ إنّما خاطب به ابن القرح محتاطا من اتّهامه بالجهل”
  • الأشعار: ابن القارح مدّع المعرفة بالأدب: هذا الادّعاء هو الذي أملى على المعرّي أن يكثر من الاستطرادات الشّعريّة حدّ الإطالة أحيانا.

وهكذا تكون السّخرية من ابن القارح غاية المعرّي من الاستطراد في رحلة الغفران ففضحه شهوانيا متهتّكا مقبلا على اللّذائذ بنهم جاهلا بأصول اللّغة التي يدّعي حسن سبك أفانينها منتحلا الشّعر عاجزا نظمه لقصوره عن قوانينه والالمام بشروطه.

تعليم القارئ وتهذيب لسانه:

كلّ أثر أدبيّ يجب أن يكون وثيق الصّلة بقارئه الّذي يتفاعل معه بالتذأثر والقراءة وعليه لم يكن ذاك غائب عن المعرّي وذلك جليّ في شرح لفظة غار وأغار ……..( عودة إلى نصّ مع الأعشى) فحضور القارئ في ذهن المعرّي لحظة التّأليف جليّ .

ويتأكّد ذلك من خلال ما يضيفه الإستطراد المعجميّ للقارئ بالشّرح والتّوضيح والتّدقيق لتبيان الفروق بين الألفاظ ( دلالات لفظ أباريق). ومناقشة قراءة بعض النّحاة للشعر والبحث عن أوزان بعض الكلمات. ومن خلال نقد قضايا الشّعر في نصّ خصومة النّابغة والأعشى بتعريف الشّعر وبيان مصادره وطريقة كتابته وعلاقته بالشّعر الجاهلي ومقاييس نقده الكمّ والكيف ووظائفه

الخوض في مسائل دينيّة وفكريّة وغيبيّةيهدف المعرّي من خلالها إعادة تكوين العقل العربيّ تكوينا يأمل أن يكون عقليّا أساسا إذ لا إمام عنده سوى العقل.

فالاستطراد وإن كان مقوّما فنّيا فلإنّ الوظيفة التّعليميّة مركزيّة فيها وفي هذا السّياق يقول الأستاذ صالح بن رمضان:” وفعلا فإنّ حجم الشّواهد عظيم وقد دفعت هذه الظّاهرة كثيرا من النّقاد إلى الاهتمام بالوظيفة التّعليميّة وهي في تقديرهم أهمّ الوظائف على الإطلاق.”

للاستطراد في رحلة الغفران المعرّي غاية تعليميّة للقارئ أداتها العقل الممحّص في القضايا في مشاغل عالمي الغيب والشّهادة.

وظيفة قصصيّة بنائيّة

فالاستطرادات الشّعريّة تكثّف الوصف. وتدعم بناء المكان وتمثّل مرجعا للسّرد. من ذلك استثمار بيتي الأعشى في تأثيث المكان وتحريك البطل. والاستطرادات القرآنيّة تجنّح بالخيال في مستوى بناء الشّخصيّات أو الأحداث أو الزّمان

وظيفة إنشائيّة إبداعيّة

رام من خلالها المعريّ أن يثبت التزامه بمقوّات التّرسّل لأنّ من شروط الكاتب أن يوشّي رسالته بمنتخبات من مأثور المنظوم والمنثور. حتى أنّ الرّسالة الأدبيّة تكون أجود وأقرب إلى الصّورة المثاليّة، بقدر ما تتضمّن من شعر وقرآن وأحاديث واستطرادات. إذ تكشف الاستطرادات موسوعيّة المعريّ وسعة حفظه وقدرته على تطويع المتباعدات في نص متجانس رغم جمعه بين مقتضيات التّرسل والرّغبة في الخروج القصّ

بيد أنّه من الضّروري الإشارة إلى أنّ بعض الاستطرادات. من ذلك الشروح يرى بعض النقاد والمحققين أن لا وظيفة لها لأنّها كانت أسلوب مشافهة لكن تلامذة المعرّي جعلوها حاشية اختلطت مع تقادم العهد بالمتن

للاستطراد، إذن، في رحلة الغفران وظائف شتّى. فمنها ما كان موصولا بالمرسل إليه البطل من خلال السّخرية منه. ومنها ماكان هدفه القارئ بالتّعليم وتهذيب اللّسان وهذا لم يمنع المعرّي اتخاذ هذا الوسيط الفنّي ليثير قضايا العصر والغيب من ناحية وليقيم القصّ المجنّح من خلاله فتظل رحلة الغفران تفارق واقعها لترتدّ إليه.

مواضع ذات صلة

  • الإضحاك في رحلة الغفران نقد و احتجاج
  • السخرية في رحلة الغفران إمتاع
  • آليات السخرية من ابن القارح في رحلة الغفران
  • الإضحاك في رحلة الغفران حاجة نفسية
  • الإضحاك في رحلة الغفران تقليد أدبي
  • الإضحاك في رحلة الغفران بين الحاجة والاحتجاج
  • تجليات الخيال في رحلة الغفران
  • مصادرالخيال في رحلة الغفران
  • مفهوم الخيال في رحلة الغفران
  • الجرأة في رحلة الغفران
  • تدريب على إنتاج مقال أدبي رحلة الغفران
  • إحكام البناء في رحلة الغفران
  • إحكام البناء في قسم الرحلة ( الجزء الثاني)
  • إحكام البناء في رحلة الغفران ( الجزء الثّالث
  • السخرية في رحلة الغفران الآليات والمقاصد
  • السارد في رحلة الغفران أنواعه و مواقعه
  • وظائف السارد في رحلة الغفران:
  • السخرية من ابن القارح
  • النسيج الفني المثير:توليد الحكاية من نصوص تراثية
  • المعري محاجج لواقع المجتمع: الطريقة والقضايا والغايات
  • المعرّي محاجج لثقافة العصر:
  • وجهة النظر الخلفية للأحداث

أضف تعليق

لا يمكن نسخ هذا المحتوي

شكرا