استقطابية شخصية شهرزاد في مسرحية الحكيم - درس

استقطابية شخصية شهرزاد في مسرحية الحكيم

I: استقطابية شخصية شهرزاد في مسرحية الحكيم

يمكن الاستدلال على استقطابية شخصية شهرزاد في مسرحية الحكيم من كل القرائن التالية:

1: ارتباط عنوان المسرحية بشخصية شهرزاد: ← اختيار الحكيم اسم شهرزاد عنوانا للمسرحية تأكيد ضمني منه على تشزلها في المسرحية منزلة القطب أو المحور.

2: ابتداء المسرحية على حدث الاحتفال بعيد الذاری: عبد العذاري عيد تقيمه عذاري المدينة للملكة شهرزاد: قال الوزير قمر “أنسيتي يا مولاتي أن اليوم عيد العذارى، وأنهن يقمن هذا العيد تقديسا لسرك الذي حقن دماءهنّ وبعث هذا الرجل (شهريار) من بين أشلائهن”.

3: انغلاق المسرحية على ملفوظ درامي لشهرزاد: قالت شهرزاد في خاتمة المسرحية “خيال شهريار آخر الذي يعود… يولد غضا نديا من جديد… أما هذا فشعرة بيضاء قد نزعت” ← اختيار الحكيم ملفوظ شهرزاد خاتمة للمسرحية دلالة على أنها رمز للديمومة واللاتناهي باعتبارها رمزا للطبيعة الخالدة: قال غالي شكري “سر شهرزاد هو سر الكون المغلق، هو لغز ذلك العالم المجهول”.

4: كثافة تواتر إسم شهرزاد على ألسنة الشخصيات: ← كل الشخصيات الرئيسية منها والثانوية تلفظ جميعها إسم شهرزاد بل لا نجد شخصية لم يتواتر إسم شهرزاد على لسانها ← كثافة تواتر إسم شهرزاد على ألسنة الشخصيات يؤكد استقطابيتها وأنها سر حير الجميع.

5: حضور شهرزاد في كل مناظر المسرحية: ← لم تفارق شهرزاد مناظر المسرحية السبعة ← يمكن التمييز بين نوعين من الحضور: أ: حضور مباشر: شهرزاد مسهمة في الحوار الدرامي وذلك في المناظر التالية: المنظر الثاني والثالث والخامس والسابع. ب: حضور غیر مباشر: شهرزاد موضوع حديث وذلك في المناظر التالية: المنظر الأول والرابع والسادس.

6: كثافة الملفوظ الدرامي لشهرزاد: ← المناظر التي حضرت فيها شهرزاد حضورا مباشرا تميزت بكثافة إسهامها في الحوار سواء بجمل درامية قصيرة أو بجمل درامية مطولة نسبيا.

7: دوران كل الشخصيات حول شهرزاد: ← الشخصيات الرئيسية (شهریار، قمر، العبد) أشبه بالأفلاك الدائرة حول شهرزاد الشمس: ← قال جورج طرابيشي “تدور شخصيات المسرحية حول شمسها شهرزاد… هذا وضع شخصيات المسرحية الرئيسية الثلاث، الملك شهريار والوزير قمر والعبد الأسود بالنسبة إلى شهرزاد”.

قال مصطفى منصور “شهرزاد قوة كبيرة تمثل مركز المسرحية الذي يستقطب كافة الشخصيات وكل الأفعال إليه”.

II: أثر استقطابية شهرزاد على الشخصيات الرئيسية للمسرحية:

1: الأثر الأول: الأزمات المتفاوتة: ← الشخصيات الرئيسية في علاقتها بشهرزاد الشخصية الاستقطابية عانت أزمات ← هذه الأزمات يمكن تفصيلها في ضوء الثنائيات التالية:

أ: بالنسبة إلى العبد: جدلية الرغبة والرهبة:← عانى العبد في علاقته بشهرزاد أزمة يمكن تلخيصها في ثنائية الرغبة والرهبة ← العبد يعيش تمزقا داخليا بين رغبته في شهرزاد واشتهائها بماهي “جسد جميل” وبين الرهبة منها باعتبارها زوجة شهريار الذي قتل في الماضي عبدا أسود ← قال الأستاذ الحبيب شبيل “مشكلة العبد في علاقته بشهرزاد أنه كان موزعا بين الرغبة والرهبة. فإما متعة فموتة وإما نجاة فحرمان، مشكلته أنه يصارع في الوقت ذاته غريزة الجنس وغريزة الحياة”. * ما يدل على الرغبة في شهرزاد: قال العبد للجلاد “يا لجسد شهرزاد” وقال لشهرزاد “هذه النافذة أنبأتني أن خلفها جسدا ينتظر الغرام” أو قوله عنها “ما أنت إلا جسد جميل”…. * ما يدل على الرهبة من شهرزاد: قال العبد لشهرزاد “لقد صدق ظني، إنما أنت تهيئين العدة منذ زمان لإعادة المأساة: قتل العبد في خدر زوج شهريار… من أجل هذا دعوتني واستدرجتني إلى هذا البلد”….

ب: بالنسبة إلى الوزير قمر: جدلية الحب والواجب: ←عاني الوزير قمر علاقته بشهرزاد أزمة يمكن تلخيصها في ثنائية الحب والواجب ← الوزير في قمر يعاني تمزقا داخليا بين نارين: نار الحب الذي يشده إلى شهرزاد باعتبارها في نظره “قلبا كبيرا” وتمثالا مقدسا جمع بين جمال إيزيس وحكمة بيدبا وبين الواجب باعتبار وفائه لملكه شهريار: • ما يدل على حب شهرزاد: قال قمر لشهرزاد “ما أنت إلا قلب كبير” بل إنه اعتبر أجمل ما في الوجود عينا إمرأة حتى أنه قال للملك شهريار “ثق أن من ملك في حجرته إمرأة جميلة فقد ملك الدنيا كلها في حجرته”، وما يؤكد حبه لشهرزاد أيضا اضطرابه لحظة خلوته معها وشعوره بالحرج لما صرح له شهريار بمعرفته بقصة حبه للملكة شهرزاد…. * ما يدل على الواجب إزاء شهریار: قال الوزير قمر إلى الملك شهريار حين لمح له بحبه لشهرزاد “إنما أنا أنظر إلى الملكة كما ينظر المجوس إلى ضوء النار”← هذا القول يؤكد به الوزير قمر تغليبه للواجب الذي يشده إلى الملك شهريار على الحب الذي يربطه بالملكة شهرزاد….

ج: بالنسبة إلى الملك شهريار: جدلية الترفع عن الجسد والتوق إلى حياة الروح والعقل المطلق:← عاني الملك شهريار في علاقته بشهرزاد أزمة يمكن تلخيصها في جدلية الترفع عن الجسد والتوق إلى حياة الروح ذلك أنه يرفض شهرزاد بماهي جسد لأنها بذلك تشده إلى آدميته وسجن المكان وقفص الجسد وينشد أن يعرف خباياها بماهي “عقل كبير” يحرره من عالم المحدودية ويرحل به إلى آفاق لامتناهية ← قال الأستاذ الحبيب شبيل “ويبتعد شهريار عن شهرزاد يجوب آفاق البلاد عله يخلص منها لا باعتبارها زوجة ولكن باعتبارها رمزا للطبيعة التي تقيد حرية الإنسان، الطبيعة التي تسجن الإنسان في كنف زمانها ومكانها… ولا سبيل إلى الخلاص إلا بتحرير الجسد من المكان أو تحريره من التعلق بالمحسوسات……… ما يدل على الترفع عن شهرزاد بماهي جسد: قال شهريار لشهرزاد “إني لن أخضع إلى إمرأة…. ذراعاك ضيفتا الخناق على عنقي… لن أعود إلى جسدك الجميل… لن يسكرني ريق ثغرك، ونفح شعرك، وضمات ذراعيك… شبعت من الأجساد… شبعت من الأجساد…. شبعت من الأجساد….”…. * ما يدل على التوق إلى حياة الروح والعقل المطلق: قال شهريار “أود أن أنسى هذا اللحم… ذا الدود وأنطلق… أنطلق… إلى حيث لا حدود…”← قال جورج طرابيشي “لقد أراد شهريار أن يعيش في المطلق وهو المخلوق النسبي، وأراد أن يحيا في اللامحدود وهو الكائن المحدود، وأراد أن يحلق بالعقل والروح وهو البشر المشدود بجسمه إلى الأرض…. صراع بين روح الإنسان اللامحدودة في تطلعاتها وصبواتها وطاقاتها وبين جسمه المحدود من كل جانب زمانيا ومكانيا وقدرة….

2: الأثر الثاني: المعاناة والمأساة: ← بعض الشخصيات الرئيسية في علاقتها بشهرزاد انتهت إلى المعاناة والمأساة ← يمكن الاستدلال على المعاناة والمأساة من خلال القرائن التالية:

أ: بالنسبة إلى الوزير قمر: ترجمت مسرحية شهرزاد معاناة الوزير قمر ومأساته من خلال حدث انتحاره في خاتمة المسرحية نتيجة عثوره على العبد الأسود في خدرها ← قالت نوال زين الدين عن حدث انتحار الوزير قمر “انتحر لأنه قلب صرف، فلما سقط معبوده وإلهه شهرزاد سقط بسقوطه”….

ب: بالنسبة إلى الملك شهريار: ترجمت مسرحية شهرزاد معاناة الملك شهريار ومأساته من خلال أمرين: فشل كل تجارب هروب الملك شهريار من الجسد وعجزه الجذري عن إدراك المعرفة والحقيقة المطلقة: لا السحر ولا القتل من أجل المعرفة ولا الرحيل ولا الزهد في اللذة والجسد استطاعوا تحرير شهريار من عقال المكان وسجن الأرض وقفص المكان وضيق الدنيا….. * موت شهريار في خاتمة المسرحية: قالت شهرزاد في خاتمة المسرحية “خیال شهریار آخر يعود…. يولد غضا نديا من جديد…. أما هذا (شهريار) فشعرة بيضاء قد نزعت….” ← قال عز الدين إسماعيل “وعلى هذا النحو انتهت المأساة بانتصار الأرض، أي بانتصار المكان وهزيمة اللامكان (شهریار)…. فشهريار رجل هالك لم يعد صالحا للحياة، لقد أصابته الشيخوخة: شيخوخة الجسم وشيخوخة القلب، فكيف يمكن له أن يواجه الحياة” ← الحياة لشهريار آخر يولد غضتا نديا.

ملاحظة: العبد في مسرحية شهرزاد لم يعرف المعاناة والمأساة لأنه نجا في خاتمة المسرحية رغم حدث وجوده مع شهرزاد في خدرها حيث نقرأ في خاتمة المسرحية الإشارة الركحية التالية “العبد يخرج فرحا بالنجاة”.

نخلص تحليل استقطابية شخصية شهرزاد في مسرحية الحكيم إلى الاستنتاحات التأليفتة التالية:

1: استقطابية شهرزاد وفاء من الحكيم للأسطورة: شهرزاد الأسطورة كانت بطلة ألف ليلة وليلة إذ تبدأ كل الليالي بالقص وتختمها عند الصباح بالصمت عن الكلام المباح مثلما استطاعت أن تحل بالقصص مشكلة الملك شهریار… وشهرزاد الحكيم تبدأ الأحداث على حدث عيدها وتنغلق في المنظر السابع على ملفوظ لها مثلما كانت القطب الذي يدور في فلكه كل الشخصيات… ← تشابه بين شهرزاد الأسطورة وشهرزاد الحكيم في أن الأولى كانت قطب رحى الليالي والثانية قطب رحى المسرحية.

2: أزمات الشخصيات الرئيسية ومعاناتها إضافة إلى الأسطورة:

أ: بالنسبة إلى العبد: علاقة العبد بشهرزاد من حيث هي علاقة تمزق بين الرغبة في شهرزاد والرهبة من سيف شهريار لا وجود لها في الأسطورة (اختفى وجود العبد في ألف ليلة وليلة بعد حدث الخيانة والانتقام الشهرياري من زوجته والعبد بالقتل) ← مسرحية الحكيم بإبرازها للعلاقة بين شهرزاد والعبد التراث قطعا وظيفيا: العلاقة بين شهرزاد والعبد ذات بعد وظيفي تقطع مع يرتبط بنزوع شهرزاد إلى أن تعيد شهريار إلى آدميته التي فقدها من خلال تصنع حدث الخيانة له مع عبد أسود← تمثيل حدث الخيانة وظيفته إيقاظ شعور الغيرة الآدمية في شهريار الذي انقلب عقلا خالصا وإعادته إلى الجسد الذي زهد فيه وأنكره.

ب: بالنسبة إلى الوزير قمر: علاقة الوزير قمر بشهرزاد المتميزة بالتقابل الذي يعانيه بين حبه لشهرزاد وواجبه إزاء شهريار ليس لها أثر في الأسطورة الأصل ← هذه المعاناة إضافة جديدة إلى الأسطورة ليس فيها من التراث إلا إسم شهرزاد التي تعتبر أفعالها وأقوالها مع الوزير قمر إضافة من توفيق الحكيم إضافة وظيفية غايتها إعادة شهريار إلى حياة القلب التي تنكر إليها حتى أن كلمة “الحب” فقدت كل معنى عنده حيث قال “كيف تلفظ هذه الكلمة؟؟… لا ريب أنها أثرية من بقايا العصور الأولى”.

ج: بالنسبة إلى شهريار: علاقة شهريار بشهرزاد المتميزة بالتقابل بين حياة الجسد التي ينشد إليها شهريار وحياة الروح التي يتوق إليها حتى يتخلص من قفص ، الحسد و سحن المكان اضافة من الحكيم إلى الأسطورة باعتبار أن جدلية لتصدع بين الروح والجسد لم يعشها شهريار الأسطورة هذه الإضافة وظيفية غاية الحكيم منها إثارة مسائل فكرية وفلسفية مثل: منزلة الإنسان في الوجود، مدى حرية الإنسان في الكون، إشكالية التعادلية، الصراع بين القلب والعقل أو بين الجسد والروح، مدى مستطاع الإنسان في صراعه مع القوى المفارقة وحدود القدرة الإنسانية…..

3: جدلية الوفاء والإضافة إلى الأسطورة تأكيد على التعامل الإيجابي للحكيم مع التراث: أسس الحكيم علاقته مع التراث وفق منطق الاجتزاء والإضافة أو حسب جدلية المزج بين العناصر التراثية والتصورات الحديثة وهو ما يتناسب مع مفهومه للابتكار الأدبي والفني حيث قال “ليس الابتكار في الأدب والفن أن تطرق موضوعا لم يسبقك إليه سابق، إنما الابتكار الأدبي والفني أن تعالج الموضوع الذي كاد يبلى بين أصابع السابقين فتسكب فيه من أدبك وفنك ما يجعله ينقلب خلقا جديدا يبهر العين ويدهش العقل” ← جدلية الوفاء والإضافة أكدها نقاد كثيرون : ← قال الأستاذ الحبيب شبيل “تبينا من تحليل عناصر هامة من مسرحية شهرزاد کيف اجتزأ الحكيم من الف ليلة وليلة عناصر وغير دلالتها تأدية لمعان جديدة لم تتجل في النص التراثي”. ← قال غالي شكري عن مسرحية شهرزاد “هي مسرحية تتخذ من أسطورة ألف ليلة وليلة خلفية لها. فالأسطورة نفسها ليست هي عمود البناء الدرامي في المسرحية وإنما هي المقدمة أو البرولوج الذي يفترض الحكيم وجوده في مخيلة القارئ حتى ينطلق منه إلى الآفاق البعيدة تماما عن الأسطورة وتفسيراتها المختلفة”.

أضف تعليق

لا يمكن نسخ هذا المحتوي

شكرا