إحكام البناء في قسم الرحلة مظاهر إحكام الرّحلة من حيث هي خطاب: ( دور الرّاوي في إحكام البناء، الوصف، الحوار)
1الرّاوي ووظائف السّرد:
لا يخفى ما للرّاوي من أهمّية في إحكام هندسة الرّحلة وقد تنوّعت صوره وذلك لسببين:
أوّلا لتعدّد وظائفه فهو يسرد الأحداث ويحرّك الشّخصيّات وينسّق الحوار بينها ويصف الأحوال ويرد متجلّيا حينا متخفّيا أحيانا.
وثانيا لطبيعة النصّ العجيب الّتي تخوّل له الانتقال الفجئيّ وتسمح له بالتّمرّد على النّظام القصصيّ المألوف. راوح الرّاوي بين التّجلّي لتنمية الأحداث والتّخفّي بالانسحاب من السّاحة وترك الشّخصيّات تتحرّك وتتحاور دون التّدخّل . كما نهض الرّاوي بوظيفة التّعليق على سبيل السّخرية من ابن القارح بواسطة الأدعيّة الّتي كان يرسلها في كلّ مناسبة عند الخروج بالبطل من وضع إلى وضع كقوله:” ويخطر له – جعل الإحسان إليه مربوبا وودّه في الأفئدة مشبوبا –
وللرّاوي دور آخر اضطلع به وهو دور تقديم الشّروحعلى سبيل التّعليم. يقول جسين الواد في البنية القصصية:” وهكذا نستخرج أنّ الرّاوي يقوم باتّباع ابن القارح في الجنّة وينقل كلّ ما يقع له فيها وأنّه يتردّد في ذلك بين البروز والاختفاء. فهو يبرز في الأوصاف والتّنقّلات وفي تقديم الأشخاص وفي التّعرّف على ما يخطر لابن القارح فعله وفي التّعاليق وهو يختفي عند تكلّم الأشخاص وفي التّعرّف على ما يخطر لابن القارح فعله وفي التّعاليق وهو يختفي عند تكلّم الأشخاص أنفسهم فإذّاك تنحصر مهمّته في ذكر ” ويقول” وإعلانا عن المتكلّم وعلى هذا الأساس فإنّ السّرد قد أمّن بناء القصّة من المنطلق إلى المنتهى وقد تمكّن الرّاوي بذلك من إجراء رحلته على منطق الاستقطاب الثلاثيّ: هدوء/ اضطراب/ هدوء. كما تمكّن بفضل السّرد من خلق المفاجآت القصصيّة والزّج بالبطل في مآزق وتخليصه منها.
وظائف المعرّي ساردا:
أ- الوظيفة السّرديّة:
هو الّذي يبني الأحداث ويولّد المفاجآت والمآزق للبطل وهو الّذي يحقّق التّشويق للقارىء بالحضور والتّخفّي.
ب- الوظيفة الوصفيّة:
ارتبطت بالسّارد وظيفة الوصف للأطر وجغرافيّة الأمكنة من جهة ووصف الملامح الخلقيّة للشّخصيّات.
ت- الوظيفة النّقديّة
ووظيفة السّخرية: بالرّغم من كون السّارد يجب أن يكون في الغالب خفيّا في النّصالقصصيّ فإنّ قارىء الغفران يشعر بحضور السّارد وهو المعرّي ناقدا عابثا ساخرا فاضحا. ث- وظيفة تنظيم الحوار:
وينبثق تنظيمه للحوار من خلال اختيار موضوعه ( مسائل نحوية عروضيّة بلاغيّة شعريّة كلاميّة كما أنّه ينظّمه في تطوّره ومثال ذلك التّدرج بالخلاف بين النّابغة والأعشى من الخلاف اللّفظيّ إلى الخلاف المادّي
2-الحوار:
يكاد ينحصر الحوار في ابن القارح محاورا بقيّة الشّخصيّات والملاحظ أنّ المواضيع المطروقة متنوّعة متنامية تدفع بالحدث القصصيّ مثال ذلك الحوار الّذي دار بين الأعشى والنّابغةينتهي بأن “يثب نابغة بني جعدة فيضرب الأعشى بكوز من ذهب. ويوظّف الحوار للنقد والسّخرية. ونجد نوعا آخر من من الحوار هو الحوار الباطنيّ وفيه يكون الرّاوي عليما ببواطن الشّخصيّة يسجّل ما يدور في أعماقها من أفكار وأحاسيس ومشاعر ومثل ذلك قول ابن القارح وقد بلغ جنّة العفاريت: لأعدلنّ إلى هؤلاء فلن أخلو لديهم بأعجوبة
3-الوصف:
يرد الوصف مندرجا ضمن سياق السّرد فيسنده ويجوّد عبارته لما يشتمل عليه من ضروب التّشبيه والاستعارات كما يثري رسم الشّخصيّات والفضاءات ومن أمثلة ذلك رسمه للشّخصيّات في قوله:ويبتدىء بزهير فيده كالزّهرة الجنيّة قد وهب له قصر من ونيّة كأنّه ما لبس جلباب هرم ولا تأفّف من برم.