الحوار في مغامرة رأس المملوك جابر (في فضاء المقهى)
أطراف الحوار في مغامرة رأس المملوك جابر:
الزّبائن: 1 و2 و3 و5 تميل مواقفهم إلى الانفعال والانطباعيّة إنّهم مجرّد أرقام متتالية ما يفتح الرّمز على أعداد لا متناهية من الأشخاص يشبهونهم في الخصائص فهم يمثّلون الفئة المتواضعة اجتماعيّا والنّاس البسطاء، وبما أنّ الرّقم مجرّد فإنّه يتلاءم مع شخصيّات الزّبائنالّتي وردت غائمة الملامح، فسماتهم من ملامح الفضاء الشّعبي الّذي يتسامرون فيه، منبتهم أرضيّة اجتماعيّة واحدة هم أوجه متعدّدة لشخصيّة واحدةلم يطرأ عليها تغيير من بداية المسرحيّة إلى نهايتها.حيث يتّخذ خطابهم شكلا دائريّا (الالحاح على سيرة الظّاهر) الحوار في مغامرة رأس المملوك جابر
الزّبون4: رغم أنّه منهم فهو مختلف عنهم، وهو الأقلّ تدخّلا في الحوار لكنّه الأكثر إعمالا للعقل، لم تخل مواقفه وردود أفعاله من بعد نظر، ومن روح نقديّة وهو يتميّز عنهم بالوعي ولعلّ الرقم 4 لا يخلو من إشارة واضحة إلى قوّة سلطة تحمل هذا الرّقم، ولها دور كبير في تحفيز المواطنين ونقد الحاكم والمحكوم على حدّ السّواء، هذه القوّة هي المسمّاة السّلطة الرّابعة، وهي الصّحافة والإعلام.
الخادم أو أبو محمّد: لم يقتصر على تلبية طلبات الزّبائن، فقد تدخّل في الحوار الدّائر بينهم… ولكنّه مجرّد امتداد لهم، تربطه بهم علاقة ألفة وتعوّد. كان آخر شخصيّة تغادر الرّكح مسدلة السّتار على العرض.
الحكواتي أو العم مؤنس، يتّسم بالوقار والهدوء والمعرفة، وهو ذو سلطة على زبائن المقهى …. اكتفى الكاتب بالإشارة إلى سنّه ” العمّ مونس رجل تجاوز الخمسين” ملحّا على ملامح وجهه الممحوّة وكتابه القديم. وتبدو شخصيّة العمّ مونس مختلفة عن شخصيّة القاصّ الشّعبيّ الّذي يتودّد عادة للزّبائن ويستجيب لطلباتهم.about:blank
نوع الحوار في مغامرة رأس المملوك جابر :
هو حوار قصير، أقرب إلى الأحاديث العفويّة، يتداوله الزّبائن بلا نظام، متناسب وأجواء المقهى الموسومة بالفوضى والتّراخي والضّجة، يبدو أقرب إلى الآنية والارتجال.
تجاوز الشّكل المسرحي الصّارم، مؤسّسا لانفتاح الرّكح على القاعة، وإشراك الجمهور في العرض. أمّا أثناء الحكاية وبعد انتهائها، فقد ورد في شكل ردود قصيرة وتعليقات مقتضبة على كلام الرّاوي، أو على المشاهد التّمثيليّة.
موقعه:
هذا الحوار كثيف في أوّل المسرحيّة، قبل أن يبدأ الحكواتي القصّ، وبعد انتهائهمنه، وأثناء وقت الاستراحة. فبدا وكأنّه يؤذن بانطلاق العرض، ويمهّد له، ثمّ يؤثّث وقت الاستراحة، وأخيرا يختم المشهد المسرحيّ بالتّعليق على الحكاية. كما ورد في شكل ردود قصيرة أثناء المسرحيّة.
تنظيمه:
لم يكن الحوار في هذا الفضاء خاضعا لنظام معيّن من قبيل التّناوب بين الشّخصيّات، أو التّدرّج في المواضيع، وإنّما مال إلى الارتجال، يقول سعد الله ونّوس في ذلك:” والمهمّ بالنّسبة إليّ هو التّأكيد على عفويّته وعدم تسلسله… وتقطّعه بفجوات من الصّمت…”
لغته:
العامّية
اتّسمت لغة الحوار ببساطة التّعبير، وتلاءمت مع المستوى الفكريّ للمتكلّمين، ولم تخل من استعمال للعامّية:” شفت اليوم أبو ابراهيم” أو :“ماشي الحال” متجانسة مع فضاء المقهى الشّعبيّ، مقتربة من المتفرّج العاديّ، يقول ونّوس في ذلك” كلام الزّبائن رغم أنّي أضعه بالفصحى، يجب أن يؤدّى بالعامّية…”.
المعاجم:
مالت السجلاّت إلى التّنوّع، وعكست طبيعة المكان، وخصائص الشّخصيّات، ونوعيّة العلاقات بينها فتراوح الكلام الوارد على لسان الزّبائن بين معجم يتّصل بملحقات المقهى أو العناصر المؤثّثة له مثل الشّاي والنّارجيلة والنّارة والرّاديو والأغاني، وآخر ذي منبت اجتماعييعكس معاناتهم في سبيل لقمة العيش ومشاكلهم اليوميّة مثل:(مهموما، مسكين، تدبير الأحوال…) فكلّ خطاب اجتماعيّ كما ترى آن أبرسفيلد، لا بدّ أن نجده في جانب هامّ منه مشتملا على خطاب اجتماعيّ يعكس واقع المتلفّظ سواء في علاقته بنفسه، أو في علاقة الآخر وهو أمر ليس بالضّرورة واعيا ومقصودا.
ويتغيّر السّجل اللّغويذ الّذي يععكس علاقة الحكواتي بالزّبائن، إذ يقوم من قبلهم على على الاحترام والتّبجيل أمّا المعجم المتّصل بالحكاية المنشودة فيطغى عليه طابع ملحميّ يتراوح بين البطولة والانتصار وتختلف طبيعة الخطاب إذن باختلاف كلّ من المخاطب والمخاطَب، والموقع الاجتماعيّ والفكريّ لكلّ منهما
التّنقيط:
جاء التّنقيط ليعكس بعض خصائص هذا الحوار فبدا لغة ثانية حيث عبّرت النّقطة عن معنى جزئيّ كامل، كما نجد في الحوار الدّائر بين الزّبائن والخادم مثلا، والقائم على ثنائيّة الطّلب والاستجابة:”زبون1: فنجان شاي ثقيل ونارة. الخادم: حاضر”
أمّا النّقاط المتتابعة بأنواعها فعكست ما وسم هذه الأحاديث من تقطّع وتشرذمبين مواضيع متنوّعة… كما أوحت بوجود فجوات داخل الكلام، وكأنّ المتكلّم يرغب في التّنفيس عمّا يشعر به أو يعيشهولكن المجال لا يسمح له بذلك، من قبيل “زبون3: اللّه يساعده ويساعدنا.. ومن منّا خال من الهمّ؟ زبون2: في هذه الأيّام… والله لا أحد…” وإضافة إلى الفجوة المعنويّة يمكن أن تعكس النّقاط المتتابعة فجوات الصّمت:”زبون4: يأأبو أحمد … هات اثنين شاي…” متضمّنة معنى الانتظار… معوّضة بذلك كلام المؤلّف، أو الإشارة الرّكحيّة الّتي يفترض أن ترد على النّحو التّالي:( ينتظر قليلا أن يأتي الخادم) وهي وظيفة يمكن أن تضطلع بها أيضا نقطة الاستفهام أو نقطة التّعجّب: “الزّبائن: ما جاء دور الظّاهر بعد.” الّتي أوحت هنا بالتّعبير الذّي ظهر على وجوههم.
وظائف الحوار في مغامرة رأس المملوك جابر (في فضاء المقهى)
- وظيفة تعريفيّة بالكشف التّدريجيّ عن خصائص الشّخصيّات
- كشف طبيعة العلاقات بين الشّخصيّات من ذلك التذماثل بين الزّبائن باستثناء زبون4، أو الاختلاف بينهم والحكواتي
- وظيفة قصصيّة سرديّة تراوحت بين الاسترجاع: ” زبون2… صحيح… اليوم شف أبو ابراهيم….”، والاستباق: “الخادم:… بين لحظة ولحظة ستراه آتيا يحمل كتابه”
- وظيفة تعويض الإشارات الرّكحيّة: “الخادم: هاهو العمّ مونس”
- تصوير ردود الأفعال
- التّعبير عن المواقف
- وظيفة إثراء الرّمز: فكثيرا ما يشفّ الحوار عن الرّؤية الايديولوجيّة للكاتب:” الحكواتي: ماجاء دور الظّاهر بعد”
- وتبقى الوظيفة الأهمّ هي دفع المتفرّج على الكلام:” إنّ كلّ أحاديث الزّبائن وتعليقاتهم ليست إلاّ اقتراحات، أو ما سمّيته وسيلة اصطناعيّة لتشجيع المتفرّج على الكلام والارتجال والحوار…”.