شرح نصّ دعوة الدّنيا دعوة الكون
تقديم نصّ دعوة الدّنيا دعوة الكون
يمثّل النّصّ القسم الأخير من حديث البعث الأوّل. وهو أوّل فصول رواية حدّث أبو هريرة قال:… للكاتب التّونسيّ محمود المسعدي المعروف بجمعه بين أصول الثّقافة العربيّة الإسلاميّة القديمة وأسس الفكر الفلسفيّ الغربيّ الحديث.about:blank
وقد استهلّ حديث البعث الأوّل بلقاء بين البطل أبي هريرة وصديق له. وقد مثّل اللّقاء قادحا لتنمية الأحداث في الرّواية بصفة عامّة وحمل البطل على الاستفاقة على الوجود. وهو ما سيفضي به إلى رحلة وجوديّة متعدّدة الأطوار.
و قد كشف الحوار الّذي انعقد بين أبي هريرة وصديقه عادات البطل قبل البعث، وقوامها الزّهد في الدّنيا والانقطاع عن الحياة والقناعة بالمصير وهو سالك قبل البعث مسلك الإيمان التقليديّ والتّسليم بالمرتبة الحيوانيّة،فبدا متردّدا في القبول بدعوة صديقه إلى الرّحلة إذ قال مبديا تمسّكه بعاداته وثوابته “مهلا يا عافاك اللّه فإنْ لم أتوضّأ وقد تبيّن الخيط الأبيض من الخيط الأسود، نتوضّأ فنصلّي ثمّ ننصرف
وبذلك يظهر أبو هريرة في بداية حديث البعث الأوّل شخصيّة تقليديّة غافلا عن الوجود الحقّ قانعة بالحياة الوضيعة المحكومة بالطّمأنينة والخضوع للتّقاليد والتّسليم بالعجز والانقطاع عن الفعل، فليس أبو هريرة قبل إفاقته على الوجود وانبعاثه إليه بفضل صديقه إلاّ شخصيّة وضيعة مضيّعة كيانها ووجودها .
وقد سلك الرّاوي مسلك السّرد الخطّي التّتابعيّ في تقصّي أ‘مال أبي هريرة وصديقه أثناء شروعهما في الرّحلة بخروجهما من مكّة مكانا رمزيّا يحيل على التّقليد والإيمان والتّسليم والماضي.
وليس خروج أبي هريرة من مكّة سوى قرينة نصّيّة دالّة على بداية تحوّله من مرتبة حيوانيّة يبدو فيها قانعا بمصيره مكتفيا بأداء واجباته الدّينيّة ساميا عن واجبه، ثمّ أن يثبت وجوده وينحت كيانه إلى مرتبة إنسانيّة سيثبت من خلالها جدارته بأن يصنع مصيره بنفسه بالفعل والإرادة والثّورة والتّمرّد ومصارعة الوجود.
وقد مثّل الخروج من مكّة بداية انفتاح أبي هريرة على الوجود بمختلف وجوهه، بعد أن كان غافلا عنه زاهدا فيه وقد أفاق أبو هريرة أوّل ما أفاق على مشهد بطلاه فتى وفتاة يمرحان ويغنّيان ويقبلان على الحياة بنهم.
وهو النّهم نفسه الّذي سيستبدّ بأبي هريرة بعد انبعاثه من الحياة الوضيعة التّقليديّة إلى الحياة الرّفيعة الجديدة وهذا ما سينغلق به حديث البعث الأوّل شخصيّة مساعدة للبطل أبي هريرة من أجل القطع مع صورته الماضية التّقليديّة.
موضوع نصّ دعوة الدّنيا دعوة الكون
يخبر أبو هريرة عن قصّة صديقه في الانقطاع عن حياة التّقليد إلى حياة الفعل والإرادة كاشفا عجزه عن التّمسّك بعادته قبل البعث، ملمّحا بذلك إلى بداية تحوّله في اتّجاه رحلة وجوديّة متعدّدة الأطوار.
مقاطع نصّ دعوة الدّنيا دعوة الكون
يخضع النّصّ في بنيته الإطاريّة الخارجيّة لبنية السّند والمتن:
- يستغرق السّند قوله حدّث أبوهريرة قال.
- يمتدّ المتن على بقيّة النّصّ وقد بني المتن حسب أسلوب القصّ المهيمن على حركتين قصصيّتين :
- تمتدّ الأولى من قوله :”ثمّ التفت إلى صديقي” إلى حدّ قول الصديق “وكرهت حياتي بين الأموات.” فقد غلبت حكاية الأقوال عليها وإن تضمّمنت هذه الحركة الأولى قصّة مضمّنة رواها صديق أبي هريرة ومدارها قصّة الصّديق في التّحوّل من الحياة الوضيعة إلى الحياة الرّفيعة
- أمّا الحركة القصصيّة الثّانية في المتن فتستغرق بقيّة النّصّ وقد حكمها السّرد وأساسها الأخبار انبعاث البطل أبي هريرة ابعاثا وجوديّا بدا فيه متهيّئا لخوض تجربة وجوديّة تنوّعت أطوارها وبذلك يتّحد الصّديق وأبو هريرة في التّحوّل من منزلة أولى هي منزلة وضيعة إلى منزلة جديدة هي منزلة رفيعة أساسها الفعل والإرادة والصّراع والمواجهة والنّحت والكيان.
شرح التّصدير
عمد أبو هريرة إلى تصدير حديث البعث الأوّل بقولة مسندة إلى المسرحيّ والمفكّر النرويجيّ ‘’ابسان’’ وبهذا النحو يكشف نزوع المسعديّ إلى تصدير حديث البعث الأوّل بقولة له فكر غربيّ حديث عن تشعّبه بمنجزات الفكر الغربيّ الحديث وتأثّره ببعض اتّجاهاته الفلسفيّة. شرح دعوة الدّنيا دعوة الكون
وقد صيغ قول ايبسان في جملة خبريّة تقريريّة تنزّلت زمانيّا في المستقبل القريب دار فيه الإخبار على التّبشير بالانبعاث والاستفاقة والاستنهاض
يبشّر ايبسان في ضوء القول المرفوع إليه بولادة انسان جديد هو الانسان الوجوديّ الرّافض للكائن المنقطع عن الحياة الوضيعة العامل على نحت كيانه وتأصيل وجوده بالفعل والإرادة والحرّية والتّصميم والعزم بالإقدام والصّراع والمواجهة وقد استهجن المفكّر النّرويجيّ حياة التّقليد والتّسليم والعجز والقناعة بالمصير بل إنّه قد عدّ العاجزين المسلّمين المقلّدين أمواتا.
بدا المسعديّ مفرطا بمختلف أحاديث روايته في الالتزام ببنية الخبر الأدبيّ القائم على ثنائيّة السّند والمتن
يظهر المسعديّ وهو يلتزم ببنية الخبر الأدبيّ شديد التّأثّر بأشكال القصّ العربيّ القديم وليس الخبر إلاّ شكلا منه. إذ استفادته وجه من الوجوه الدّالّة على أصالة شكل روايته حدّث أبو هريرة قال يفيد المسعديّ في بناء روايته من التّراث قدر إفادته من الحداثة.
تنهض رواية المسعديّ على جدل خصب بين منجزات التّراث والأصالة من جهة والحداثة من جهة أخرى.
شرح السّند
نسب المسعديّ حديث البعث الأوّل إلى أبي هريرة وهو اسم لصحابيّ ليكون بذلك أبو هريرة شخصيّة جامعة في بنيتها بين الإحالة على الماضي والتّراث من جهة والحداثة (أبو هريرة شخصيّة حديثة بأفعالها وسماتها ( التّمرّد – الثّورة – الإرادة – العزم – الاختيار – التّحكّم في المصير) أبو هريرة بطل قديم تراثيّ باسمه وحديثه بأفعاله وسماته.
شرح متن نصّ دعوة الدّنيا دعوة الكون
المقطع الفرعيّ الأوّل
جمع أبو هريرة في متن نصّ دعوة الدّنيا دعوة الكون بين وظيفة الرّواية ووظيفة الفعل ليكون بذلك راويا شخصيّة وقد ظهر بضمير المتكلّم أو محايدا.( التفت…)
استهلّ المتن بعمليّة سرديّة بدا فيها أبو هريرة منجزا لفعل الالتفات الّذي أفضى إلى اكتشافه حال صديقه وقد تمّ اكتشاف حال الصّديق على أساس المفاجأة وما تدلّ عليه القرينة اللّغويّة (فإذا…)
إنّ نموّ الأحداث على أساس المفاجأة ثابت من ثوابت القصّ العربيّ القديم وهو مظهر من مظاهر أصالة البناء الرّوائيّ من رواية المسعديّ حدّث ابو هريرة قال.
إنّ إفراط المسعديّ في التّعويل على المفاجأة حيلة من حيل تنميّة الأحداث نقيصة من نقائص البناء الرّوائيّ في حدّث أبو هريرة قال: لكنّ أهمّية السّرد على إيجازه تكمن في أنّه مثّل قادحا لانعقاد الحوار فإغراق الصذديق في البكاء (يبكي) كان قادحا لأبي هريرة لمحاورته.
لم يخل الحوار المعقود بين أبي هريرة وصديقه من الأفعال القوليّة الممهّدة له (قلت قال فقال)
الالتزام بالأعمال القوليّة الممهّدة لحكاية الأقوال ثابت من ثوابت القصّ العربيّ القديم ودليل على أنّ المسعدي لم يخرج وهو يبني الحوار في أحاديث روايته عن تقاليد بنائه في التّراث السّرديّ العربيّ القديم .
اشترك المتحاوران في المراوحة بين الأسلوب الإنشائيّ والأسلوب الخبريّ وقد هيمن على الحوار البعد التّعليميّ الإخباريّ ومدار الإخبار على قصّة الفتى والفتاة وهي القصّة الّتي سيكون لها عميق الأثر في ذات الصّديق وذات أبي هريرة لكنّ الحوار سرعان ما تحوّل من التّوازن الكمّي والنّوعيّ بين أقوال المتحاورين إلى تفرّد الصّديق بالقول والرّواية لتكون مخاطبته الأخيرة قصّة فرعيّة مضمّنة تكفّل فيها الصّديق بوظيفة الرّاوي في حين نزّل أبو هريرة المرويّ له المكتفي بالسّماع والإنصات والإصغاء
لقد أفاد المسعديّ وهو يفتتح حديث البعث على قصّة فرعيّة مضمّنة من منجزات القصّ العربيّ القديم عامّة ومنجزات الحكاية المثليّة خاصّة
إنّ المعجم المهيمن على النصّ خاصّة وسائر سائر النصوص معجم بدويّ صحراويّ (نجيبة – الإبل – الكثبان – العريش – سعف النّخيل ) وبذلك يكون معجم النّصّ قرينة أخرى من القرائن النّصّيّة الدّالّة على اندراج رواية المسعدي في التّراث القصصيّ العربيّ القديم.
إنّ النّزوع إلى إطالة مخاطبة الصّديق الأخيرة الّتي تمتدّ من قوله ” ظلّت لي مرّة نجيبة … وكرهت حياتي بين الأموات” جعلت منه قصّة فرعيّة مضمّنة احتكر فيها الصّديق وظيفة الكلام والرّواية ليستوي بذلك راويا شخصيّة ينشئ السّرد وهو موضوع السّرد أمّا أبو هريرة فقد غيّب صوته ونزّل في مرتبة المرويّ المكتفيّ بالإصغاء والسّمع.
إنّ قادح السّرد في القصّة المضمّنة ضياع ناقة الصّديق وقد مثّل هذا القادح منطلقا لجملة من الأفعال المتتابعة على خطّ الزّمان وهذا ما يبرّر غلبة فاء الاستئناف والأداة ثمّ باعتبارهما قرينتين لغوّيتين تدلاّن على التّتابع بين الأحداث والخطّيّة في السّرد
إنّ السّمة الغالبة على السّرد هي سمة التّتابع الخطّيّ وهي من ثوابت السّرد في الأشكال القصصيّة القديمة كالحكاية المثليّة والنّادرة والمقامة.
إنّ المسعديّ وهو ينزع إلى بناء حركة السّرد على التّتابع لم يخرج عن تقاليد القصّ العربيّ القديم وقد ظلّت الأحداث مرتهنة في تقدّمها ونموّها للمفاجأة والصّدفة وهذا ما يفسّر تواتر القرينة اللّغويّة فضلا عن التّركيب المبنيّ على التّلازم بين المؤشّر اللّغويّ بينما والقرينة الدّالّة على انتهاء الغاية حتّى
إنّ إدراك الصّديق للفتى والفتاة كان إدراكا حسّيّا خالصا اعتمد فيه على حاسّتي السّمع والبصر
مثّل مشهد الفتى والفتاة سببا لاستفاقة حواسّ الصّديق بعد أن كانت معطّلة ميّتة ليكون بذلك مشهد الفتى والفتاة في رقصهما وهنائهما وإقبالهما على الحياة سببا مثيرا لحواس الصّديق وهو الأمر نفسه الّذي طرأ على أبي هريرة في مستهلّ رحلته فقد ظهر في مستهلّ الحديث الأوّل بعد الخروج من مكّة مفتونا بالرّمل ولونه لذلك جاءت أعماله دالّة على بداية اكتشافه للالم الخارجيّ الّذي كان ساهيا قبل حدث الانبعاث” فجعلت أضرب برجلي وأقلّب بيدي منه فأجد منه.”
يشترك أبو هريرة والصّديق في بداية التّحوّل من حياة الجمود والعجز والتّقليد والموت إلى حياة الفعل والاكتشاف والارادة.
يتعمّد المسعدي أن يظهر في حديث البعث الأوّل أنّ يظهر أبا هريرة وصديقه بمظهر الشّخصيّتين العاملتين على التعرّف إلى العالم واكتشاف أسراره من أجل أن يخبر عن ولادتهما ولادة وجوديّة ينقطعان فيها عن حياة التّقليد والعجز والوضاعة ويقبلان معها على حيلة جديرة بأن تعاش بالفعل والصّراع والإرادة وصنع المصير والتّحكّم في القدر ففي السّرد التّتابعيّ في القصّة المضمّنة إلى انعقاد حوار ثنائيّ بين الصّديق والجارية غير أنّ هذا الحوار قد أخبر عن خلاف جوهريّ بين نظرة كلّ من الجارية والصّديق إلى لحياة فقد عبّرت دعوة الجارية المصغّرة بأسلوب إنشائيّ طلبيّ اساسه الأمر عن تصوّر للحياة قوامه الإقدام على الوجود إقداما حسّيا من أجل الاستمتاع بملذّاته أمّا الصّديق فقد جاء ردّه بالأعمال والأقوال المنجزة بالاستفهام الدّالّ على التّعجّب والاندهاش من جهة وبالأمر من جهة ثانية.
كشفت أعمال الصّديق وأقواله عن نفوره من الدّعوة وعدّه استعداده للانبعاث إلى الكون انبعاثا حسّيّا تستنفر فيه كلّ الحواسّ وتحرّك كلّ الغرائز والشّهوات كشفت الأعمال المعلّقة بالفتى والفتاة الرّقص والغناء مثيرات لحواسّ الصّديق لذلك ظهر على الصّديق بعض التّحوّل والتغيّر وهو ما جسّمته أعماله المسرودة ( أدركت – استأنست – بقيت ) وأقواله الّتي وردت في حوار باطنيّ استوى فيه محاورا لنفسه ساعيا إلى اقناع ذاته بالحاجة إلى التّعريف بالفتى والفتاة : واللّه لانصرف لأعرف قصّتهما
تضافرت حكاية الأعمال وحكاية الأقوال في الإقبال عن بداية التّحوّل الطّارئ على شخصيّة الصّديق لذلك عمد المسعديّ إلى استخدام معجم محيل على المتع الحسّيّة والنّعم الدّيويّة كاللّحم المشويّ والتّمر والعنب والتّين لتكون تلك المتع قادحا مثيرا لصديق من أجل الإقدام على الحياة والإقبال على الدّنيا إقداما وغقبالا حسّيّا
لقد نهض الفتى والفتاة بأقوالهما وأعمالهما بوظيفة مساعدة الصّديق على إيقاظ حواسّه والاستفاقة على متع الحياة ولذائذ الوجود وهذا ماكشف عنه التّناوب بين حكاية الأعمال وحكاية الأقوال في نهاية القصّة الفرعيّة وقد جمع في حكاية الأقوال بين حكايتها حكاية مباشرة كحكاية قول الجارية والاكتفاء بروايتها رواية غير مباشرة مثلما هو الحال مع الصّديق .
بدا الصّديق جاريا إلى الاستخبار والاستفهام طالبا للمعرفة ومدار استخباره عن الأسباب الّتي دفعت بالفتى وجاريته إلى الانقطاع عن الحياة الجماعيّة .
إنّ لجوء الصّديق إلى السّؤال دليل على بداية وعيه بمنزلته في الوجود ورغبته في المعرفة والاكتشاف.
بدأ الفتى والفتاة متّفقين في الرّؤية إلى الحياة وتصوّر الوجود الحقّ وقد قام ردّ الجارية على رسم تقابل بين نظرة النّاس إلى الكون ونظرة الفتى إليها وهذا ما يجسّمه طباق السّلب الحاصل بين الفعلين ( لم يأتوا – جئنا )لتخرج الجارية النّاس في صورة سلبيّة تظهرهم في مظهر الأموات المنقطعين عن الحياة والمكتفين بالتّقليد والجاهلين بأسرار الكون ومتع الدّنيا وفي المقابل ترتسم صورة الجارية والفتى على أساس أنّهما شخصيّتان وجوديّتان تقبلان على الوجود إقبالا حسّيّا مشدودا إلى إشباع الشّهوات والغرائز والحواسّ وهذا أيضا ما أثبته ردّ الفتى معلّلا انقطاعه وجاريته في النّاس بالاستجابة لنداء الحياة.
يرسم ردّ الجارية والفتى حدّا فاصلا بين نمطين من الحياة أوّلهما نمط الحياة المحكومة بالطّمأنينة والتّقليد والقناعة والتّعليم أمّا ثانيهما فهو نمط الحياة الرّفيعة الّتي لا تتأسّس إلاّ على الفعل والصّراع والإرادة والعزم والتّمرّد والثّورة وهي الحياة الّتي ينشدها وغيره من مفكّري الوجوديّة لأنّها الحياة الّتي يثبت بها الانسان جدارته بالحياة وهذا ما أكّده المسعديّ في مقدّمة الرّواية يقول: ”قولا يفصل بين الحياة الوضيعة والحياة الرّفيعة : الحياة كون واستحالة ومأساة فإذا هي ارتدّت ظاهرة وقرارا ورضى فهي الخسران ولعنة على الزّائفين”.
انتهت القصّة الفرعيّة المضمّنة بالسّرد القائم على الاختزال والإيجاز فأفعال النّظر والذّكر والعودة ذكرت مرّة واحدة في الخطاب
إنّ السّرد في حدّث ابو هريرة قال… سرد موجز مكثف بعيد عن التّفصيل وهو ينسجم مع شروط البلاغة القديمة الّتي لا تخرج عن بلاغة الإيجاز والتّكثيف والاختزال فهو عكس الرّوائيّين العرب يميل إلى التّكثيف والاختزال والإجمال وقد أخبر الصّديق في خاتمة مخاطبته عن التّحوّل الحاسم في نظرته إلى الحياة وهو ما عبّر عنه بقوله ” حتّى نشأ لي منه في النّفس كالشّوق إلى الجنّة وكرهت حياتي بين الأموات …” وبذلك ينتهي الصّديق إلى الاستجابة لدعوة الفتى والفتاة واضعا حدّا فاصلا بين حياته الماضية الوضيعة وحياته الجديدة الرّفيعة بل إنّه قد نظر إلى نفسه في الماضي باعتباره في عداد الموتى وهذا التّحوّل في نفسيّة البطل الرّاويّ أبي هريرة هو ما سيضطلع بالكشف عن المقطع القصصيّ الثّاني من المتن
المقطع الفرعي الثّاني:
بني المقطع الثّاني على أساس السّرد وهو ما أنجزته الجمل الفعليّة المتواترة تواترا محكوما بالتّتابع الخطّيّ وهو ما يسم حركة السّرد بسمة وقادت تلك الحركة إلى تحوّل في المكان والزّمان وفي شخصيّة أبي هريرة وفي شخصيّة الصّديق غير أنّ العودة غلى المكان القديم قد اقترنت بمحاولة أبي هريرة العودة إلى حياته الوضيعة بين الأموات ( انظر ص30 )
لكن تلك العودة سرعان ما بدّدها سلوك الصّديق وذهب بها وهو ما أكّده أبو هريرة حينما اعترف بعجزه عن الصّمود في مواجهة استثارة الحواسّ.
إنّ الصّديق شخصيّة روائيّة مساعدة لأبي هريرة على الخروج من دائرة الأموات بالمعنى الوجوديّ الفلسفيّ إلى دائرة الأحياء لينخرط بذلك في تجربة متعدّدة الأطوار.
شرح نصّ دعوة الدّنيا دعوة الكون