وصف الحرب وآثارها في شعر الحماسة

هذه المقالة مدارها على دراسة وصف الحرب وآثارها في شعر الحماسة من خلال قصائد أبي تمّام والمتنبي وابن هانئ:

– وصف الحرب :

وصف الحرب وآثارها في شعر الحماسة في أغلبه مشهديّ ومن أمثلة ذلك :
قول المتنبي :
والطعن شزر والأرض واجفـة كأنما فــي فــؤادها وهــل
قد صــبغت خــدها الدماء كمـا يصبغ خد الخريدة الخجل
والخيل تبكي جـلــودها عــرقا بٲدمــع مــا تسـحها مقــل
فهذا المقطع قام على نسيج من الصور التمثيلية :

صور مرئية شبهها بصور متخيلة :

الأولى في فؤاد إذ شبهت الأرض بالإنسان ولها خد مثله.

الثانية شبه فيها صورة الدماء تغمر الأرض بصورة الحمرة التي تعلو خد المرأة بفعل الخجل.

الثالثة شبه فيها عن طريق الاستعارة العرق السائل من جلود الخيل من شدة الكر والفر بالدموع التي تسيل من العين.

وارتقى بالصورة عن طريق النفي ليكون عرق الخيل أكثر غزارة وتدفقا من دموع العين . فكان الوصف ينشط الذاكرة ويضعنا إزاء مشهد ملحمي يحتد فيه القتال ويقوى ويعيدنا في الان نفسه إلى ما قاله عنترة في عبلة :
فووددت تقبيل السيوف لأنها لمعت كبارق ثغرك المتبسم

فكانت طرافة الصورة لا تكمن في مجرد توظيف معجم الحب في سياق الحرب بل إبداع الشاعر في التمثيلات والتشبيهات بما يوسع من دائرة التخييل وبما يحرك مواجيد المتقبل ومشاعره ترغيبا له في القيم الحربية . ووصف الحرب بالمرأة من مظاهر فرادة المتنبي إذ هوأيضا يوظفها توظيفا استعار يا في قوله :
شجاع كان الحرب عاشقة له إذا زارها فدته بالخيل والرجل

فعملية التشخيص”عاشقة” التي عقدت علاقة شبه بين الحرب ولدت معنى شعريا حماسيا للكلمة: من عشق الصورة الجسدية والروحية للمرأة إلى عشق فضيلة الشجاعة ومن اختصاص هذه الصفة بالعاقل إلى عمومها على غير العاقل .اذ الحرب عاشقة لسيف الدولة لان هذا الامير يهيم بها عشقا تدفعه إلى ذلك شجاعته وطلبه للمجد .
وقد استخدم كذلك أبو تمام تقنية الوصف المشهدي في المقطع الشعري التالي :
لقد تـركت أمــير المــــؤمنين بـــها للنار يومــا ذليل الصخر والخشـب
غادرت فيها بهيم الليل وهو ضحى يقــلها وســطها صبح من اللهـــب
حتى كــٲن جلابيب الدجى رغـبـــت عن لونها أو كٲن الشمس لم تـغب
ضوء من الــنار والظـلماء عاكفــة وظلمة من دخان في ضحى شحب

فهذا المشهد تتكاثف فيه الألوان والأضواء من شمس ودجى وليل وصباح ونار ودخان وسواد وبياض وصفرة وحمرة , وتندس داخله أصوات الحرب والأسلحة والنار وتتراكب داخله الصور وتتوالى بسرعة عن طريق التشبيه والاستعارة فتتكثف فيه معاني الشدة والبأس المسندين إلى المعتصم وجيشه مقابل معاني الانكسار والذل المسندة ضمنيا إلى العدو والتي توحي إليها صورة المدينة المحترقة . فالمشهد يجعل معنيي البأس والشدة أكثر رسوخا في الذهن ويحول البطل سبيلا إلى النصر والعزة ومصدرا لقوة الأمة وتحقيق أمجادها . انه مشهد يتكثف فيه التخييل والتهويل إمعانا في معنى القوة والبطولة .

وقد وظف ابن هانئ هذه التقنية في قوله :
يسير رويدا في الوغى وجديده يسيل ذعافا وهو غير مسمم
فما تنطق الٲرماح غير تصلصل ولا ترجع الأبطال غير تغمغم
فيملٲ سـمعا من رواعد رجــــف ويملٲ عينا من بوارق ضـرم
غطم خضم المـــوج أورق جحفل لهام كمرادة الصفيح الململم
كــٲن عليه اليـم باليـــم تنـــــكفي غواربه والليل بالليل يرتمي
فهذا المشهد طافح بالحركة والأصوات : تصلصل الرماح وغمغمة الجيوش وزمزمة الرعود وتموج البحر , فيه تحاكي أصوات الحرب والأسلحة وحركة الجيوش وتصادمها حركة عناصر الطبيعة وأصواتها إيحاء بالشدة وبمعنى القوة . فتشكل المشهد غارقا في الحس عن طريق التشبيه والاستعارة وماثل فيه الشاعر بين المحسوسات مماثلة توسع من دائرة القوة وتستثير أحاسيس المتقبل بان تطرق سمعه عساها تحرك فيه مشاعره وتطلعه الى القيم الحربية .

وهذا ما نجد له صدى أيضا في قول المتنبي :
هل الحدث الحمراء تعرف لونها وتعرف أي الساقيين الغمائــم
سقتها الغمــام الغر قبل نزولـــه فلما دنا منها سقتها الجماجم
بناها فأعلى والقــنا تقرع القـنا وموج المنايا حولها متلاطــم
قام هذا المشهد على التركيب فجمع بين شتات العناصر الحسية وألف بينها

مقالات ذات صلة بالموضوع