الحميّة في شعر الحماسة

الحميّة في شعر الحماسة

إثارة الحميّة في نفوس أقوامهم باعتماد العبارة المناسبة للذائقة الجماعيّة وهي جملة من الطرائق الفنيّة التي تخيّرها الشعراء وبتوظيفهم لمرجعيّات تناسب الجمهور المتقبّل وتتماهى مع وجدانه:

العبارة الشعريّة في شعر الحماسة لإثارة الحميّة:

الحميّة في شعر الحماسة

تحقّق شعريّة القصيد وتساهم في التعبئة للحرب فتتنوّع مقوّمات هذه العبارة وهي:

أ. تخيّر التراكيب المناسبة للاستنفار ومنها:

النداء: كما ورد في قول أبي تمّام

( يا يوْم وقْعة عمُّوريَّة انْصرفتْ ..  منك المُنى حُفَّلاً معسولة الحلبِ )
الاستفهام: في قول ابن هانئ: ما لي رأيتُ الدِّين قلّ نصيرُ هُ.. بالمشرِقينِ وذلَّ حتى خُوِّفا؟

لتأكيد: ووسائله متنوّعة منها أدوات التأكيد والتكرار.. وهذا في قول المتنبّي:

لجيش جيشك غير أنّك جيشه .. في قلبه ويمينه وشماله

ب. المعجم الحربيّ:

هو من مقتضيات الحميّة في شعر الحماسة وموضوع من مواضيعه الرئيسة ومعنى من معانيه الدقيقة فكلّما كثر السلاح والعدّة ووسائل القتال وتنوّعت أثارت حماس الناس لخوض الحروب والقتال، لذلك نجده معجما طاغيا عند الشعراءالثلاثة ولذلك كذلك جاءت الموصوفات الحربيّة مت ا ربطة لا يمكن الفصل بين مكوّناتها إذ أنّ قيمة السلاح والفرس من قيمة الفارس البطل:
. السلاح كالسيوف، الرماح، القنا،… يقول المتنبّي (أما ترى ظفرا حلوا سوى ظفر ..تصافحت فيه بيض الهند واللمم )
. الخيل والأساطيل والحرّقات والمنجانيق وما تثيره من فزع في أنفس الأعداد، يقول ابن هانئ في وصفها )

لها شُعل فوق الغمار كأنّها .. دماء تلقّتها ملاحف سود
. الجيش العرمرم الذي عبّر المتنبّي عن امتداده أفقيّا وعموديّا تأكيدا لعظمته بقوله
خميس بشرق الأرض والغرب زحفه .. وفي أذن الجو ا زء منه زمازم ، ….
. وصف ساحات المعارك مكوناتها وما تشهده من نار الحرب، دخانها، نقعها، الجثث، الدماء جلبة الأصوات… المتنبّي نثرتهم فوق الأحيدب كلّه .. كما نثرت فوق العروس الدراهم

ت – الصو رة الشعريّة: انبنت على جملة من الخصائص:

  • يشترك الشعراء الثلاثة في بنائهم الصور الشعريّة على أساس التقابل بين الممدوح وبين العدوّ. فالتقابل يعتبر من أهمّ وسائل التصوير لأنّه يجعل المعنى أكثر وضوحا. وتكون المقابلة بين فعل وآخر أو صفة ونقيضها أو موقف وضدّه. ولعلّ هذا التقابل بين البطل وهو في لحظة الانتصار وشموخه والعدوّ وهو في نكسة الهزيمة وانكساره يبرز جليّا في بيت المتنبّي: تظلّ ملوك الأرض خاشعة له .. تفارقه هلكى وتلقاه سجّدا
  • توظيف الأساليب البلاغيّة المألوفة ) التشبيه، الاستعارة، الكناية (. -التشبيه يساهم بقدر وافر في تشكيل الصورة الشعريّة وفي تقريب صورة القتال عبر إقامة تقاطع بين عالم الخيال وعالم الخيال والمبالغة وذلك توطينا لنفس المتلقّي على الحرب والقتال واثارة حماسته. ومن ذلك تشبيه الخيل بالعقبان وهي صورة نجدها متواترة في شعر كلّ من أبي تمّام والمتنبّي.الإغ ا رب في رسم الصورة وذلك عن طريق المباعدة بين طرفي التشبيه ) المشبّه والمشبّه به
  • في التشبيه أو المستعار والمستعار له في الاستعارة (. فأبو تمّام مثلا يعمل، في وصفه، على المباعدة بين عالمي الحيوان والإنسان أو بين القبح والجمال أو بين الدنيويّ والمقدّس.. فهو يجمع بين معنيين لا علاقة بينهما أصلا ممّا يضفي على الصورة ضربا من الطرافة
  • تقوم الصورة في الغالب من أشعارهم الحماسيّة على نوع من التوليد الدلاليّ والتداعي المعنويّ
  • تنمو الصورة الشعريّة عند المتنبّي نموّا متدرّجا من وضع إلى وضع ومن حالة إلى أخرى إذ نجده يتتبّع
    حركة الجيش في أفعاله أو في أحواله حتّى أنّ الشاعر يعمد إلى تصوير إحساس العدوّ بالرعب والخوف
    والفوضى التي تعمّهم ساعة الاندحار والف ا رر والهزيمة.
    ث – الإيقاع: وفيه مستويان:
    الإيقاع الخارجيّ: 
  • تمثل الأوزان والقوافي الإطار الخارجي للإيقاع، والذى يبنى على أساسه الإيقاع الداخليّ، فهي من لوازم الشعر، بل هي أهمّ عناصره التي تميّزه عن النثر فالوزن والقافية إذن هما أبرز عناصر الشكل الشعريّ، وانّما كانا كذلك، لأنّه بهما يستثار، وبهما يغنّى الشعر ويحفظ ويردّد ويسهل روايته وانتشاره
  • البحور: اعتمد شع ا رء الحماسة في قصائدهم على البحور المتميّزة بالفخامة وطول النفس كالكامل، الوافر، الطويل، والبسيط، لملاءمتها الأغراض الجدية الرسمية والمقامات المهمّة
  • الروى: تتّجه قصائد الحماسة إلى استعمال الحروف المجهورة قوية الوقع الصوتيّ ، الملائمة للإيحاء بأجواء المعارك والحروب كالباء والدال والرّاء. وعموما يميل الرويّ في هذه الأشعار إلى الاتّسام بصفات خروجه من أدنى الجهاز الصوتيّ )الوضوح + القوّة + الجهر(، تخيره من الحروف الشائعة في اللغة والوضوح الصوتيّ .
    الإيقاع الداخليّ: 
    أ- الأصوات: يعمل الشاعر على تكرار نفس الصوت أو الأصوات المنتمية إلى نفس الصنف الحروف المهموسة أو المجهورة أو اللين والقوّة .. ( لتكون محامل لصورة الحرب وحدّة السلاح وقرقعة السيوف
  • كتكرار الحاء في بيت أبي تمّام:
    السيف أصدق إنباء من الكتب.. في حدّه الحدّ بين الجدّ واللعب
  • وتكرار القاف والعين في بيت المتنبّي:
    بناها فأعلى والقنا تقرع القنا.. وموج المنايا حولها متلاطم
    ب – الألفاظ:
  • تكرار الصيغ الصرفيّة: مثل تكرار أبي تمّام لاسم الفاعل في البيت أكثر من مرة يعطي القصيدة نغمة موسيقية جميلة ودالّة ومؤثّرة.
    تدبير معتصم بالله منتقم .. لله مرتقب في الله مرتغب
    أو تكراره الألفاظ: الجوّ جوّي إذا أقمت بغبطة .. والأرض أرضي والسماء سمائي
  • أو التشقيق اللغوي: وهو ما يبينه بيت المتنبّي في مدح سيف الدولة:
    على قدر أهل العزم تأتي العزائم .. وتأتي على قدر الكرام المكارم
    ت – التراكيب:
  • الموازنة : إقامة شطري البيت على تماثل في التركيب وهو ما يمثّله بيت أبي تمّام
    فالشمس طالعة من ذا وقد أفلت .. والشمس واجبة من ذا ولم تجب
  • الترصيع : هو ضرب من التقفية الداخلية:
    كما هو حال بيت أبي تمّام: تدبير معتصم / بالله منتقم / لله مرتقب / في الله مرتغب
  • ردّ الصدور على الأعجاز: وهو نوع من التناظر التركيبيّ كالذي نجد صداه في بيت المتنبّي:
    وتعظم في عين الصغير صغارها .. وتصغر في عين العظيم العظائمبه .. فطاعته فوز وعصيانه خُسر
  • جعل ابن هانئ المعزّ معجزة من معج ا زت الإسلام ومفخرة إلهيّة أوحى بها الله وبشّر القرآن بقدومه
    ونز وله إلى الأرض، فقد قال فيه:
    شهدت بمفخرك السماوات العلى .. وتنزّل القرآن فيك مديحا
  • التشيّع الفكريّ جعله يصوّر ممدوحه بين المرتبة الإلهيّة والمرتبة البشريّة. فهو واسطة وخليفة الله
    في الأرض وهو العدل الذي نزل من السماء ليخلّص بلاد الإسلام من الكفّار والمشركين
    المرجعيّة القوميّة: عبّر عنها المتنبّي في جلّ شعره الحماسيّ 
  • تتجلّى من كثرة الصفات المختزلة لما يحمله ” الفتى ” العربيّ من قيم أصيلة ) الفروسيّة، الشجاعة،
    الإقدام، الذود عن حمى القبيلة والدفاع عن محارمها، الوثبة لطلب الثأر، النفور إلى العصبيّة..(
    إذا العرب العرباء ا رزت نفوسها .. فأنت فتاها والمليك الحلاحل
  • تجاوز شعر الحماسة المفهوم القبليّ وأسّس لمفهوم الأمّة في الحرب
  • الفتوّة معيار قوميّ يتّصل بالعروبة كلّها وبهويّتها إذ لا يرها الشاعر تتحقّق إلاّ ” بالفتكة البكر” وهي
    السبيل الأوحد لتحقيق المجد
  • حضور ما يحيل على الص ا رع بين العرب والروم في قصائد المتنبّي الحماسيّة. فهي إخبار عن
    وقائع تاريخيّة نقلت لنا صوا ر من الص ا رع الدائر بين حضارتين.
  • القصيدة الحماسيّة مدوّنة جامعة لقيمنا العربيّة
  • حضور بيّن لاسم ” العرب ” في شعر الحماسة
  • ظهور مفهوم العروبة بشكل واضح خصوصا مع المتنبّي

مرجعيّات إثارة الحميّة

  • المرجعيّة الدينيّة: إسلام – مسيحيّة. 
  • يظهر الصراع بين الإسلام والمسيحيّة بكلّ وضوح مع أبي تمّام.
  • فتح عمّوريّة بدا للشاعر أشبه ما يكون بفتح مكّة ومعارك المعتصم مع الروم المسيحيّين كمعارك
    المسلمين مع المشركين في غزوات بدر والقادسيّة واليرموك. فهي ملاحم تاريخيّة تتجدّد كلّما قام
    لها الأبطال من المسلمين يجدّدون للأمّة انتصا ا رتها وينشرون بالحرب دينهم الإسلاميّ ويذودون
    عماه. يقول أبو تمّام:
    ضحكت له أكباد مكّة ضحكها .. في يوم بدر والعتاة الشهد
  • تضمين القصص القرآنيّ كقصّة أصحاب الفيل ومعج ا زت موسى وقصّة المعراج.. وهذا ما نجده
    في قوله: أسرى بنو الإسلام فيه وأدلجوا .. بقلوب أُسْد في صدور رجال
  • يقيم المتنبّي شعره الحماسيّ، كذلك، على خلفيّة دينيّة إذ يؤكّد بشكل كبير على أنّ الجيش الحمدانيّ
    ترفده إ رادة إلهيّة ومنعة مقدّسة من الله. ويبدو سيف الدولة بطلا حاملا لخصال مقدّسة إذ نصر
    الدين وأعلى كلمة الله في الأرض وأعزّ المسلمين، يقول فيه المتنبّي:
    ياسيف دولة الجلال ومن له .. خير الخلائق والعباد سميّ
    المرجعيّة المذهبيّة: وهي شيعيّة يعكسها شعر ابن هانئ الحماسيّ في مدح المعزّ لدين الله الفاطميّ. 
  • أكثر ابن هانئ من الاقتباس الذي يخدم المضامين الحربيّة والدينيّة والسياسيّة العقديّة بالأساس
  • إيقاع كثير من الأبيات التي تحمل دلالات دينيّة ومذهبيّة صريحه أج ا رها الشاعر على إيقاع القرآن،
    ومن ذلك وصفه أسطول المعزّ وهو يمخر عباب البحر:
    ولك الجواري المنشآت مواخرا .. تجري بأمرك والرياح رخاء
    )… ( الطائرات السابحات السابقات .. الناجيات إذا اُستُحِثّ نجاء
  • حضور صفة الإمامة بشكل مكثّف ومتواتر في وصف المعزّ، فقد أنشد معظّما إيّاه:
    إمام رأيت الدين مرتبطا
    جعل ابن هانئ المعزّ معجزة من معجزات الإسلام ومفخرة إلهيّة أوحى بها الله وبشّر القرآن بقدومه
    ونز وله إلى الأرض، فقد قال فيه:
    شهدت بمفخرك السماوات العلى .. وتنزّل القرآن فيك مديحا
  • التشيّع الفكريّ جعله يصوّر ممدوحه بين المرتبة الإلهيّة والمرتبة البشريّة. فهو واسطة وخليفة الله
    في الأرض وهو العدل الذي نزل من السماء ليخلّص بلاد الإسلام من الكفّار والمشركين
    المرجعيّة القوميّة: عبّر عنها المتنبّي في جلّ شعره الحماسيّ 
  • تتجلّى من كثرة الصفات المختزلة لما يحمله ” الفتى ” العربيّ من قيم أصيلة ) الفروسيّة، الشجاعة،
    الإقدام، الذود عن حمى القبيلة والدفاع عن محارمها، الوثبة لطلب الثأر، النفور إلى العصبيّة..(
    إذا العرب العرباء رازت نفوسها .. فأنت فتاها والمليك الحلاحل
  • تجاوز شعر الحماسة المفهوم القبليّ وأسّس لمفهوم الأمّة في الحرب
  • الفتوّة معيار قوميّ يتّصل بالعروبة كلّها وبهويّتها إذ لا يرها الشاعر تتحقّق إلاّ ” بالفتكة البكر” وهي
    السبيل الأوحد لتحقيق المجد
  • حضور ما يحيل على الصراع بين العرب والروم في قصائد المتنبّي الحماسيّة. فهي إخبار عن وقائع تاريخيّة نقلت لنا صورا من الصراع الدائر بين حضارتين.
  • القصيدة الحماسيّة مدوّنة جامعة لقيمنا العربيّة
  • حضور بيّن لاسم ” العرب ” في شعر الحماسة
  • ظهور مفهوم العروبة بشكل واضح خصوصا مع المتنبّي

الحميّة في شعر الحماسة

منشورات قد تهمّك