السارد في رحلة الغفران أنواعه و مواقعه
السّارد والكاتب :
السارد هو من يضطلع داخل النصّ السّرديّ بسرد الحكاية، وهو المتلفّظ بها، فهو كائن ورقيّ لا وجود له خارجها، خلقه الكاتب لينجز السّرد ؛ فهو من يقدّم عالم القصّة ، و أداة الوصل بين العالم و المتلقّي (القارئ ).فالسّارد يختلف عن الكاتب، لأنّ الكاتب شخص حقيقيّ، خارج القصة . فالمعرّي كاتب رسالة الغفران شخص عاش في القرنين الرّابع و الخامس الهجريّين، مكفوف البصر؛ فلا يمكن أن نخلط بينه و بين السّارد في رحلة الغفران، فالسّارد يسرد ما في الجنّة ويصف ما يرى بدقّة ( الأشكال و الألوان ….) و لكن أليس الكاتب هو الّذي خلق القصّة وأجرى سردها على لسان السّارد ؟ فالسّرد إذن لعبة أسّها الإيهام ، إذ يتخفّى الكاتب وراء السّارد فيوهم القارئ بأنّ القصّة من صنعه ؛ فكأنّه يتّخذه قناعا .about:blank
وهذه الطّريقة تهبه من القدرات ما ليس له ، و تضفي على السّرد مصداقيّة. وخير مثال على ذلك من نص الرحلة: “و في تلك الأنهار أوان على هيئة الطير السابحة ، والغانية عن الماء السائحة ؛ فمنها ما هو على صور الكراكي ، و أخر تشاكل المكاكيّ….” فالفقرة وصفية تصور أشكال أواني الشراب في الجنة . و القناة المعتدة لإدراك الموصوف هي قناة البصر والكاتب، كما هو معروف، قد كف بصره في طفولته.
ثم إن الإطار الذي تنزلت فيه الأحداث فردوسي و المعري لمّا يدخلْ هذا الإطار. فلا سبيل إلى القول:إنّ السّارد والكاتب شخص و احد. وهكذا يكون الكاتب قد أوكل إلى السّارد مهمة السرد ليرى بعينه و يسمع بأذنه و يتابع حركة البطل في رياض الجنةوعلى تخوم الجحيم.about:blank
أنواع السّارد و مواقعه :
في النصوص السردية ساردان :
+ السّارد الخارجيّ : موقعه خارج القصّة الّتي يرويها ، و لا يتدخّل في أحداثها ولا يشارك فيها؛ فكأنّ القصّة تتقدّم بنفسها، ويسرد الأحداث بضمير الغائب (هو – ــه ) ؛ بيد أنّه يعلق في كواضع كثيرة في الرّحلة على الأحداث أوالشخصيّات. وهذا السّارد عليم يخترق الحجب فينقل خواطرها وأفكارها ومواقفها ويسترجع ماضيها ويتابع حاضرها ويستشرف مستقبلها، فهو راو كليُّ العلم . والحجّة على ذلك هذا المثال من الرحلة ” و يخطر له ذكر الفقاع الذي كان يُعْمَل في الدّار الخادعة ، فيُجْري الله بقدرته أنهارا من فقاع، الجرعة منها لو عدلت بلذات الفانية، منذ خلق الله السّماوات و الأرض إلى يوم تطوى الأمم الآخرة، لكانت أفضل وأشف. فيقول في نفسه : ” قد علمت أن الله قدير، والذي أريدُ، نحوُ ما كنت أراه مع الطوافين في الدار الذاهبة” فهذه الفقرة السردية يسردها سارد خارجيّ مجهول، ليس في النصّ من علامة تدلّ على هويّته ويسرد الأحداث بضمير الغائب ظاهرا ومستترا لأنه يسرد قصة غيره (له – نفسه )، عالِم بعالَم القصّة (فقاع الجنّة أفضل من فقاع الدّنيا – الفقاع في الجنّة أنهار – الرغبات فيالجنة تلبى آنيا … )، وما يجول في نفس البطل من خواطر ورغبات ( يخطر له …)، وما يقوله في نفسه ( يقول في نفسه..)، وما كان يعرف في الدّنيا ( الفقاع الّذي كان يعمل في الدّار الخادعة ) فهو سارد كلّي العلم.
و ينصرف من السّرد إلى التّعليق على الأحداث أو الشّخصيات.و مثال ذلك “ثم ينصرف إلى عبيد فإذا هو قد أعطي بقاء التأبيد، فيقول : السّلامعليك يا اخا بني أسد . فيقول وعليك السلام – وأهل الجنة أذكياء ، لا يخالطهم الأغبياء – لعلك تريد أن تسألني بم غفر لي؟” فما ورد من تعريف لأهل الجنّة هو تعليق السّارد على شخصيّة عبيد الّذي عرف رغبة ابن القارح في معرفة وسيلته لنيلالغفران قبل أن يعلن عنها .) السّارد الدّاخليّ( السّارد / الشّخصيّة)
هو سارد صلته وثيقة بالقصة الّتي يسردها ، وله فيها دور أساسيّ حينا أو ثانويّ حينا آخر فالقصّة قصّته يسرد أحداثها بضمير المتكلّم ( أنا . وهذا السّارد كثيف حضوره في قسم الرحلة من رسالة الغفران ؛ فكلّ شخصيّة يلتقي بها ابن القارح في الجنّة، ويسألها عن سبيل دخولها الجنّة ، تتحول ساردا داخليّا /فرعيّا يسرد قصّته تلبية لرغبة ابن القارح ، كما فعل الأعشى حين سأله : “أخبرني كيف كان خلاصك من النّار، و سلامتك من قبيح الشّنار؟ ” فيأخذ في سرد قصّة دخوله الجنّة بالشّفاعة : سحبتني الزبانيّة إلى سقر…
وهكذا يتنازع العمليّة السّرديّة في الرّحلة ساردان :الأوّل أصليّ، خارجيّ، غيريّ ، يروي القصّة الإطار ؛ والثّانيّ فرعيّ داخليّ / ذاتيّ حاضر في القصّة ، يضطلع برواية قصّة فرعيّة مضمّنة في القصّة الإطار
السارد في رحلة الغفران أنواعه و مواقعه
مقالات ذات صلة بالموضوع
- الإضحاك في رحلة الغفران نقد و احتجاج
- السخرية في رحلة الغفران إمتاع
- آليات السخرية من ابن القارح في رحلة الغفران
- الإضحاك في رحلة الغفران حاجة نفسية
- الإضحاك في رحلة الغفران تقليد أدبي
- الإضحاك في رحلة الغفران بين الحاجة والاحتجاج
- تجليات الخيال في رحلة الغفران
- مصادرالخيال في رحلة الغفران
- مفهوم الخيال في رحلة الغفران
- الجرأة في رحلة الغفران
- تدريب على إنتاج مقال أدبي رحلة الغفران
- إحكام البناء في رحلة الغفران
- إحكام البناء في قسم الرحلة ( الجزء الثاني)
- إحكام البناء في رحلة الغفران ( الجزء الثّالث
- السخرية في رحلة الغفران الآليات والمقاصد
- وظائف السارد في رحلة الغفران:
- السخرية من ابن القارح
- النسيج الفني المثير:توليد الحكاية من نصوص تراثية
- المعري محاجج لواقع المجتمع: الطريقة والقضايا والغايات
- المعرّي محاجج لثقافة العصر: