الموضوعية و الشك المنهجي عند الجاحظ

الموضوعية و الشك المنهجي عند الجاحظ

أ – مظاهرالموضوعيّة في الحيوان والرسائل

– يرفض الجاحظ  التّسرع في إصدار الأحكام و التعجيل بالتصديق أو التكذيب دون تروّ وتثبّت وآية ذلك قوله :”و لا يعجبني الإقرار بهذا الخبر، كما لا يعجبني الإنكار له “. ويظهر ذلك في إيرادلروايات بسند صحيح ثابت كما سمعها أو نقلها إليه الثقات من أصحابه وشيخوخه من غير إصدار أحكام عليها أو قبولها، مثل التفصيل الّذي طبع حديثه عن كيفيّة اصطياد الحية العصافير ، فعرض وجهات نظر مختلفة  في المسألة التي يدرسها عرضا موضوعيّا التزم فيه الحياد دون تدخّل أو إصدار أحكام إلا بعد التّمحيص والشّك و التّحليل،

– لم يخضع الجاحظ  إلى خداع الحواسّ في التّعامل مع ظواهر الأشياء أو التّعويل على المظاهر في تقييم الأمور والحكم عليها :”أوصيك أيّها القارئ المتفهّم و أيّها المستمع المنصت المصغ ، أن لا تحقر شيئا أبدا لصغر جثّته و لا تستصغر قدره لقلة ثمنه “، ( الحيوان)

– ينطلق الجاحظ في بحث المسألة بحثا عقليا من رفض الانقياد للمسلّمات او التّسليم بصحّة الأفكار المسبقة مهما يكن مصدرها أو درجة شيوعها . و مهما يكن ثبات الرّواة و الثّقة في علمهم : “زعم ابن أبي العجوز أنّ الدّسّاس تلد و كذلك خبّربني به محمد ابن أيوب ابن جعفر عن أبيه و خبّرني به الفضل بن إسحاق بن سليمان فإن كان خبرهما عن إسحاق فقد كان إسحاق من معادن العلم ” إلى أن يقول :” و لم اكتب هذا لتقرّ به … “
– يبحث الجاحظ في المعرفة في مظانّها و مصادرها الأصلية و اتصاله بأصحابه المتخصّصين فيها و أمثلة ذلك كثيرة منها:” وسمعت حديثا من شيوخ ملاحي الموصل …” ” و خبّرني من يصيد العصافير … وشكا إليّ حواء مرة …

– تحرّى الجاحظ واقتصد في الأحكام: كثيرا ما يميل الجاحظ إلى التّرجيح و التّغليب أو الشّك و الاستبعاد و لعلّ ذلك من مظاهر علمية منهجه و تقديره للثّقات الذين يروي عنهم من علماء عصره وذلك جليّ في قوله: “و لا أدري أيّ الخبرين أبعد, أخبر ابن غالب في تفسيخ الثّوب (يقصد تقطّع الثّوب بتأثير سمّ الأفعى ) أو خبر ابن المثنّى في سلامة الفروج على الأفعى” . و لا تكاد تعترضك في كلام الجاحظ أحكام مطلقة أو بتّ في الأمور إلا متى كان الغلط فيها بيّنا ، كموقفه من ذلك الأعرابي الذي ادّعى وجود حيّة ذات رأسين، فسأله محاجّا:” من أيهما تأكل؟ ” و لما أجابه بأنها تتعشّى بفم و تتغدّى بفم ، علّق قائلا :”فإذا به أكذب البريّة “.

– استقلاله الفكري و عدم تبعيّته لأحد مهما تعاظمت مكانته العلميّة إلا متى أقرّ بصحّة رأي من أراء أساتذته و وافقه ، فقد رد ّعلى أرسطو في مواضع كثيرة نقل فيها عنه ( انظر مقدمة “الحيوان”) لعبد السلام محمد هارون ط . مصطفى البابي الحلبي الثالثة- 1965 – ص 22) و من أمثلة ذلك قوله :”و قد سمعنا ما قال صاحب المنطق…و ما يليق بمثله أن يخلد على نفسه في الكتب شهادات لا يحققها الامتحان ” الحيوان “

ب – الشّك المنهجي

الشّك الجاحظيّ طريقة في التّعامل مع المعرفة و منهجا من مناهج النّظر في الوجود و معطيات الواقع الحسّي و الذّهني . و قد يكون الجاحظ استلهم طريقة ” الشّك الموصل الى اليقين ” من أستاذه النّظام وللشكّ قواعد يراها الاستاذ اليعلاوي طريقة  اتّبعها الججاظ

*-رفض التّسليم بالخبر و عدم تكذيبه مبدئيا . يقول ” و لا يعجبني الإقرار بهذا الخبر و لا يعجبني الإنكار له “
*-معالجة الخبر لمعرفة مواضع تهافته ومواطن الضّعف فيهليصل الى اليقين . يقول ” فاعرف مواضع الشّك و حالاتها الموجبة له لتعرف مواضع اليقين و الحالات الموجبة له .. ” .

فالشّكّ ليس مقصودا لمجرّد الشكّ في حدّ ذاته و إنّما غايته طلب اليقين . و مادام الشّك طريق اليقين فلا بدّ من تعلّمه و اتّخاذه أداة و إن قصرت به السّبل عن بلوغ معرفة يقينيّة . يقول “تعلّم الشّك في المشكوك فيه تعلّما فلو لم يكن في ذلك إلا تعرّف التوقف ثمّ التّثبت لكان ذلك ممّا يحتاج إليه ّ . و يكشف تعامل الجاحظ مع الأخبار التي يجمعها إجراء واعيا لأدوات الشّك أي منهج التجريح و التعديل بالنّظر في مصداقيّة سند الخبر المنقول و درجة ثقته . ثمّ بتقليب المتن و موازنته و مقارنته و عرضه على التّجربة الملموسة أو العقل المستدل أو الخبرة المتراكمة أو المعرفة الحاصلة .

منشورات ذات صلة قد تفيدك:

– شرح نص العقل هو الحجّة

– نقد النقل عند الجاحظ

– شرح نص فخر السّودان على البيضان

– النزعة العقلية عند الجاحظ

– حدود النزعة العقلية عند الجاحظ

– نص المعرفة والاستدلال

– منهج الجاحظ في التعامل مع الأخبار

– الخصائص الفنية المميّزة لكتابة الجاحظ

شرح نص المعاينة والتجربة

– المعتزلة يتوسّطون الفرق للجاحظ

-مجالات البحث في مؤلّفات الجاحظ

– شرح نص هل الأخبار حجّة

– شرح نص وجوه إدراك العلم بما هو غائب

– النص التفسيري

– شرح نص العقل هو الحجة