الحوار بناؤه تنظيمه ووظائفه

الحوار بناؤه تنظيمه ووظائفه

يمثّل الحوار الرّكن الأساسيّ في النّصّ المسرحيّ فمن خلاله يتحدّد الموقف الدراميّ ويتبلور الصّراع وتنكشف مختلف العلاقات بين مختلف الأطراف.لذلك يحتاج دارس مسرحيّة شهرزاد لتوفيق الحكيم إلى النّظر في مختلف خصائص الحوار انطلاقا من خصائص البناء ومرورا بخصوصيات التّنظيم فوصولا إلى خصائص اللّغة.

1-بناء الحوار

أ)أنواعه:

تنوّع الحوار في مسرحية شهرزاد ويمكن رصد ثلاثة أنواع أساسيّة هي الحوار التّعليميّ والحوار الجداليّ وحوار المكاشفة.وإن كان حضور حوار المكاشفة غير مهمّ في نصوص مسرحيّة شهرزاد”.

أمّا الحوار التّعليميّ فيجمع بين شهرزاد والوزير وشهرزاد والعبد في مسرحيّة شهرزاد وينبني هذا الحوار على الاستخبار والإخبار ومن ذلك الحوار الّذي دار بين شهرزاد والعبد في بداية المنظر الخامس أو بين شهرزاد والوزير في المنظر الثّاني.

وأمّا الحوار الجداليّ فهو حوار مواجهة مكثّف المواقع في مناظر المسرحيّة ويتخذ له وجهة أفقية في مسرحية الحكيم إذ تتمّ المواجهة بين شخوص كما في نصّ المواجهة بين شهرزاد وشهريار أو تعتمد هذه المواجهات مساجلات دقيقة تنتهي بانهيار البطل التراجيديّ كقول شهريار”شهرزاد اسكتي”

ب)تطوّر الحوار:

يمكن لدارس هذه المسرحية أن يلاحظ  سمتين أساسيتين في تطوّر الحوار السّمة الأولى هي التّطوّر الخطّيّ.والسّمة الثّانية هي التّطوّر المنكسر.

**التّطوّر الخطّيّ التّصاعديّ للحوار:

يعكس هذا التّطوّر في صبغته الدراميّة تناميا تصاعديّا للفعل يجعل من الحوار ميّالا إلى الاقتضاب ليتيح مجالا فسيحا للحركة قصد تغذية مواطن الصّراع

**التّطوّر المنكسر:

إنّ التّطوّر المنكسر للحوار تحكمه ارتدادات تعيشها الشّخصيّة البطلة عند الحكيم فشهريار مثلا يصعّد المواجهة مع شهريار ثمّ سرعان ما يعود إلى الهدوء ليتمّ التصّعيد من جديد لتهتزّ نفسيّة الأبطال وباهتزازها يتأثّر الحوار فينكسر بين التّصعيد والتّلطيف وذاك ما جعل مسرحية الحكيم لا تعرف ذروة تراجيديّة دقيقة الملامح.

2)في تنظيم الحوار:

يمكن البحث في طريقة انتظام الحوار في المسرحية حسب عدد الشّخوص المتحاورة وحسب تطوّر اللّحظات الدراميّة وحسب أحوال الشّخصيّة البطلة

أ)تنظيم الحوار بحسب عدد الشّخوص المتحاورة:

تظهر من تتبّع كيفيّة انتظام الحوار عبر فصول المسرحيّة اعتمادا على عدد الشّخوص المتحاورة،سيطرة الحوار الثّنائيّ وقد مثّل مشلينيا عنصرا قارّا فيه وليس ذلك بغريب فهو بطل المسرحيّة وصاحب المأساة الأقوى فيها،أمّا الطّرف الثّاني المهيمن على الحوار فهو شخصيّة بريسكا باعتبارها اكثر الشّخصيات إثراءً للمسرحيّة وهي الشّخصيّة الحكيميّة المضافة إليها.

ب)تنظيم الحوار بحسب تطوّر اللّحظات الدراميّة:

 

ج)تنظيم الحوار بحسب أحوال الشّخصيّة البطلة:

مثّل شهريار المحور في مسرحيّة شهرزاد لذلك ارتبطت به كلّ الشّخصيات الرّكحيّة،كما ارتبطت به كلّ المواقف الدراميّة في مختلف مراحلها ممّا جعل الحوار ينتظم  وفق ما تعرفه هذه الشّخصيّة  من أحوال متقلبّة جعلت منها  القطب الأوّل في الصّراع الدّائر.

لقد تميّزت مخاطبات شهريار وردوده في المسرحيّة بسمتين أساسيتين من حيث الكمّ فقد خُصّت هذه الشّخصيّة ببعض المطوّلات-الطّرادات-وأوّل نموذج منها برز في المنظر الثّاني عندما وقف أمام سرّ شهرزاد حائرا،حيث يستغرق استفسار شهريار أكثر من صفحة ويعود ذلك إلى حالة الشّخصيّة المتّسمة بالحيرة والهوس المعرفيّ ومع دخول الشّخصيّة البطلة مرحلة الرّحيل،تكثر حالات القلق الوجوديّ،فبقدر ما كانت هذه الشّخصيّة شديدة الإيمان بحسن اختياراتها،ومصرّة على تحقيق حلمها،كانت في ذات الوقت تعاني الحيرة والشّكّ حدّ الإحساس بالغربة يقول شهريار:”أودّ أن أنسى ذا اللّحم وذا الدّود وأنطلق أنطلق إلى حيث لا حدود”وبذلك نرى أنّ حيرة الشّخصيّة تجعل من مخاطبتها تطول في حين أنّ اضطرابها وقلقها يدفعانها إلى اختزال  القول وإيجازه.

3)وظائف الحوار في مسرحية شهرزاد :

تعدّدت وظائف الحوارويمكن تصنيفها إلى نوعين من الوظائف:الوظائف الدراميّة والوظائف الذّهنيّة.

أمّا الوظائف الدراميّة فهي وظائف متّصلة بالفرجة ومرتبطة بنموّ الفعل المسرحيّ فالحوار يكشف الشّخصيّة البطلة في أحوالها وينقل أفعالها أو يختزل ذكرها أو يشارك في تجسيدها كما للحوار أنّ يضمن تأثيرا صوتيّا مقصودا من قبل المؤلّف ويستهدف به السّامع في تنويع نبر الخطاب من خطاب متأسّ يائس منهار عند شهريار وهو يقول:مضى كلّ هذا مضى أنا اليوم إنسان شقيّ”

ومن جانب ثان يبدو الحوار في النّصّ المسرحيّ الذّهني قائما بوظائف ذهنيّة تحقّقها لغة الحوار وتحيل عليها مصطلحات ذهنيّة مجرّدة من نوع الجثمان والمكان والماء والإناء في مسرحيّة شهرزاد وهي مصطلحات ذهنيّة مجرّدة أو رموز محيلة”على المطلق من المعاني”.ويقول شهريار لشهرزاد:”أنتِ أنا أنتِ نحن.لا يوجد غيرنا نحن أينما ذهبنا فليس غيرنا وغير ظلّنا وخيالنا.الوجود كلّه نحن.ما من شيء خلا صورتنا في هذه المرآة العظيمة الّتي تحيط بنا من كلّ جانب.لقد سئمت هذا السّجن من البلّور” فيكشف بذلك عن الرّمز الذّهني لشهرزاد وهي كلّ شيء ولا يُعلم عنها شيء أو هي مرآة من البلّور تنعكس عليها صورة السّاعي في طلبها.


الحوار بناؤه تنظيمه ووظائفه