التّغريب في مسرحيّة مغامرة رأس المملوك جابر
تقنيات التغريب :
* تقنية المسرح داخل المسرح :
التضمين : عماد مسرحية ” رأس المملوك جابر” قصتان :
أ- قصّة إطار: هي قصّة الزبائن في المقهى .
ب – قصّة مضمنة هي قصة الصّراع بين الخليفة والوزير وردود فعل أهل بغداد بمن فيهم المملوك جابر.
– الحكواتيّ واصل بين القصتين، فهو الواسطة بين الحاضر والماضي وتعتبر العودة إلى الماضي والتاريخ والتّراث من تقنيات التغريب لأنها تسمح للمتفرج بأن يتّخذ مسافة بين ما يعرض أمامه فتمنعه من الانفعال العاطفيّ الوجدانيّ وتدفعه إلى التفكير ……
– من نتائج ظاهرة التضمين :
– كسر وحدة الحدث : وجدنا أحداثا تتمحور حول العمّ مؤنس و الزبائن ) كانتظار الحكواتي والإنصات
إلى حكاياته ( وأحداثا ترتد بنا إلى الماضي وهي مغامرة المملوك جابر وقد تفرعت عنها قصص فرعيّة كثيرة منها : قصّة الصراع بين الخليفة والوزير / قصة زمرد و جابر / قصة الرجل و زوجته / قصة العامّة ……
– كسر وحدة الزمان : وقد حدّ دها أرسطو بدورة شمسية واحدة بينما توزّعت أحداث المسرحية على زمنين متداخلين هما الماضي ) القرن السابع ( والحاضر. بل حتى مغامرة جابر وأحداثها تتجاوز الدورة الشمسية التي حدّدهاأرسطو لزمن المسرحية .
– كسر وحدة المكان : دارت أحداث المسرحية في أماكن متعددة متنوعة منها : المقهى / ديوان الخليفة /ديوان الوزير / ديوان ملك العجم /غرفة الإعدام …/التناوب بين السرد والحوار: تميّزت المسرحيّة بالمراوحة بين نوعين من الخطابات:
الخطاب السّرديّ والحوار .
*الخطاب السرديّ:
– هو على لسان الحكواتي ويتم يز بالاخت ا زل والاختصار
– يمهّد لحوار يدور على خشبة المسرح وينجزه الممثّلون وتتخلله من حين لآخر تعليقات.
– من شأن هذا التناوب بين السرد والحوار أن يسهم في تقطيع الحدث المسرحي ما يمنع المتفرج من التأثر والانفعال بما يعرض أمامه ) تقطيع الحدث من تقنيات التغريب (
*تحطيم ظاهرة تقمّص الممثل لدوره : كي لا يتماهى الممثل والدور الذي يؤدّيه، تعامل ونّوس مع
الشّخصيّات وأدوارها بطرق متنوّعة تحقّق التغريب في مستوى الشخصيّة:
– أسند الكاتب للممثل الواحد أدوارا عدة، فالممثلان اللذان أذّيا دوري الوزير ومعينه هما نفساهما اللذان أدّيا دوري الخليفة وشقيقه ، ثمّ أدّيا دوري ملك العجم وابنه. ويتعارض هذا الاختيار مع واقعيّة الأداء في المسرح ، إلا أ نه يخدم عنصر المباعدة بين الممثل والدور، أي أ نه يرفع عن المتفرج غشاوة الدمج بين الممثل شخصا مستقلا وبين الشخصيّة التي يتقمص قناعها.
– قد يؤدّي الممثّل دورا واحدا ولكنّه يؤديه بغير الطريقة التّقليديّة، بل يقدّمه بشكل مضادّ للمعهود. ويعّ ذلك أيضا شكلا من أشكال تغريب الشخصية ومن أمثلة ذلك تحوّل وظيفة السيّاف لهب من جلاد لا يعرف الكلام ولا يختصّ إلا بتنفيذ الأوامر إلى معلّق على الأحداث بأسلوب شاعريّ الى حامل لجزء من درس المسرحية .
– ندرج في سياق المباعدة أيضا قيام الرجل الرّابع وزمرّد من بين الأموات في آخر المسرحية وانضمامهما إلى الحكواتيّ لتقديم “درس المسرحية ” ، فقيام الشخصيّة من الموت يعني أن الدور هو الذي مات وليس الممثّل.
يمكن القول إن تغريب الشخصيّة يعني عند ونّوس ألا تتحوّل الشخصيّة إلى غاية في ذاتها وأن تبقى وسيلة لفهم الواقع وكشف حركة التاريخ .
*قطع حبل التعاطف بين المتفرّج والممثّل: في المأساة يشفق المتفرج على البطل ويتعاطف معه، ويخاف أن يقع في ما وقع فيه البطل. وللحيلولة دون ذلك عمد و نّوس إلى تقنياّت عديدة منها :
– إسناد اكثر من دور للممثل الواحد .
– إلغاء الستار وايكال تغيير أثاث الديكور إلى الممثلين أنفسهم وذلك على مرأى ومسمع من المتفرجين )
يدخل الممثّلون الخمسةُ الذين رأيناهم من قبل يمثّلون أهل بغداد وهم يحملون معهم شُبّاك فُرنٍ وبعض القطع الأخرى التي يمكن أن توحيَ بمنظر شارع عامّ. يضع الممثّلون قِطع الديكور ويركّبونها أمام المتفرّجين. بعد إعداد المنظر يبدأ التمثيل (
– توظيف الديكور : لم يستعمل و نّس ديكورا ثابتا شأن المدرسة الكلاسيكية ، ولا ديكورا واقعيا شأن المدرسة الواقعية واختار الانطلاق من مع د ات ركح ية بسيطة لكنها موحية مثل الكراسي المبعثرة في المقهى وشباك الفرن في بغداد / ديكور إيحائي يخاطب الذهن ، فيستدعي منه حركة نشيطة لإكمال ما نقص من الصورة .
– توظيف الإضاءة التي صارت تساهم في تحديد أجواء العمل المسرحي والإيحاء بنفس يات الشخصيّات وتبئير الممثلين باعتبارهم كتلا جامدة أو متحرّكة …
وونوس كان أميل إلى الإضاءة الكاملة للمشهد ، على غرار “برشت “الذي يفضّل أن يكون الركح غارقا في الضوء لأنّ العتمة تجلب النّوم في حين أ نه يطلب اليقظة من مشاهديه.
ولم يمنع ذلك سعد الله ونّوس من استعمال الإضاءة المركّزة في مناسبتين وهما بداية مشهد الحلاقة ونهايته ففي أوّل المشهد يشتد الضوء ويركز على الكرسيّ الذي يجلس عليه الحكواتي،
وفي آخر المشهد تسقط حزمة ضوء على رأس جابر، وهذه الإضاءة المركّزة جاءت لتبئير المشهد حول قطبي الحركة في المسرحية وهما الحكواتيّ موجّه فعل الحكي في كامل العرض وجابر محرّك الأحداث في مستوى الحكاية فبالتركيز على رأس جابر إيحاء بأنّه وضع حياته موضع مساومة، وبذلك تخدم الإضاءة عنصر الإيحاء و تتوافق جماليتها مع حركة الذهن .
-ترقيم الشخصّيات وغياب الهوية:
هي أقنعة ووسائط عبّر بها ونّوس عن هموم حضاريّة ذات هويّة اجتماعيّة / الزبائن هي مجرّد أقنعة لتشخيص أدوار:
فاقدة للهو ية تلميحا إلى هامشيّتها وانسحاقها الاجتماعيّ فهي مجرّد صورة لمجتمع مهمش مقموع …..
-هدم الجدار الرّابع وكسر الإيهام المسرحيّ :
وذلك بإدخال المتفرّجين في صلب اللعبة المسرحيّة وخلق تواصل بين الممثّلين والجمهور وتكسير قوالب المسرح التقليديّ قصد خلق فرجة متميّزة أصيلة .
-اعتماد السرد بدلا من المحاكاة من خلال تطعيم الشّكل الدراميّ ) المسرحيّة: حوار وإشارات ركحيّة ( بالشّكل الملحميّ )الحكي ( : خطاب الحكواتيّ .
-اعتماد المشاهد العنيفة وتجسيدها على مرأى من الجمهور ومسمعه، كتشخيص دمار بغداد عبر الإيماء إضافة إلى انتهاك حرمة المرأة أمام المشاهدين وتقاذف رأس المملوك جابر …..
-توجّه الممثّل إلى الجمهور مباشرة من قبيل توجّه السيّاف إلى زبائن المقهى قائلا :
” كان موته تحت فروة رأسه و لم يدر …قطع البراري يحمل قدره على رأسه و لم يدر ” .
-الإعلان عن الاستراحة: ” وهنا نستأذن المستمعين الأكارم باستراحة قصيرة نشرب فيها فنجانا من الشاي “.
-وظيفة التغريب : التسييس وإثارة الوعي الجديد
* اعتماد ونوس تقنيات تغريب متعددة جعلت مسرحه شكلا تغريبيا عدل به عن مواضيع المسرح العربيّ في ذلك العصر والتي كادت تنحصر في التهريج والإضحاك وتناول مواضيع سياسية بطريقة يعمد فيها النص إلى إفراغ المتفرّج من شحنة التأزم والتوتر، إلى مسرح تسييسيّ تبنى فيه قضايا الإنسان العربيّ مسلوب الإ رادة منها:
– قضايا سياسية كالصّراع على السلطة وتوتّر العلاقة بين الرّا عي والرعية، ودور الحاشية ، والاستقواء بالأجنبيّ ..
– قضايا اجتماعيّة كإدانة السلبيّة والخنوع والصمت عند “الزبائن” و”أهل بغداد “، وتراجع دور المثقّف ” الرجل الرّابع ” وإدانة الانتهازية والطّمع والخيانة في شخصية “جابر “.
مقالات أخرى ذات صلة
التّغريب في مغامرة رأس المملوك جابر