وظيفة الشّخصيّات في رحلة الغفران

وظيفة الشّخصيّات في رحلة الغفران عديدة وهي:

فضح الشخصيّات أخلاق ابن القارح:

فضح تعلّقه بالدّار الفانية رغم وجوده في الجنّة:

رغم حلول ابن القارح بالجنّة إلاّ أنّه لا يزال منشدّا إلى الدار الفانية من خلال خواصره وانفعالاته النفسيّة.

فالمعرّي يفضح ابن القارح الذي لا يزال منشدّا إلى ” الأرض الراكدة ” ولم يرتق روحانيّا إلى عالم الجنّة. ” ثمّ إنّه أدام الله تمكينه يخطر له شيء كان يسمّى النزهة في الدار الفانية “.

فضح تهافته على الملذّات الحسيّة:

صوّر لنا شغف ابن القارح بالملذّات في عالم الجنان فيغرف منها ما طاب.

فهو لم يستطع التخلّص من نفسيّته الشهوانيّة الدنيويّة بل إنّ سلوكه قد يتحوّل من مجرّد لهو ومجون إلى شبقيّة واضحة تنكشف من خلال كثير من المشاهد والأقوال كمشهد ترشّفه رضاب الجاريتين أو قول الحيّة ” هلمّ إن شئت اللذّة “…

  • فضح ما فيه من ساديّة واضحة تظهر في سلوك التشفّي من امرئ القيس وهو يتعذّب في السعير.
  • فضح اعتماده الرشوة لتحقيق غاياته: فهو يُرشي خازنيْ الجنان (هما رضوان وزفر )وحمزة.الشّعر حتّى يدخل الجنّة..
  • فضح تذلّله وتملّقه إذ يقرّعه حمزة بقوله ” ويحك أفي مثل هذا الموطن تجيئني بالمديح.. “
  • فضح انتحاله الأشعار ” فإنّك منذ اليوم لمولع بالمنحولات “

+++وظيفة الشّخصيّات في رحلة الغفران :

كشفت الشخصيّات صفات أخلاقيّة فاسدة في ابن القارح

هذه الصفات نزّلته منزلة الحالة المرضيّة التي لا تغري بالتواصل معها، وصوّرته في صورة الشيخ المتصابي المثير للشفقة.

وظيفة الشّخصيّات في رحلة الغفران : فضح الشخصيّات عقيدة ابن القارح:

  • فضح ضعف إيمانه:إذ تصوّر أنّ الجزاء ينال بالأقوال دون الأفعال وأنّ مجرّد إعلان التوجّه ” توبة العاجز “غافر لما أتاه من معاص…فقد شكّل المعرّي هيئة الجارية على نحو أثار غريزة ابن القارح ممّا جعله يختلس النظر إليها أثناء السجود
  • فضح زيف توبته من خلال وساطة آل البيت (قصّته مع عليّ، مع فاطمة، مع إبراهيم )
  • فضح تصوّره للعدل الإلهيّ: إذ فضح زفرُ إنكار ابن القارح لمبدإ العدل الإلهيّ بقوله: ” فإنّك لغبين الرأي. أتأمل أن آذن لك بغير إذن من ربّ العزّة؟ هيهات هيهات..”
  • فضح تصوّره الماديّ للجنّة: فهي بالنسبة إليه جنّة متع حسيّة وجنّة تعويض عن حرمان الإنسان في الدنيا

+++وظيفة الشّخصيّات في رحلة الغفران : كشفت الشخصيّات تهافت عقيدة ابن القارح وسخف تصوّره للمجال الدينيّ وسطحيّته.

وظيفة الشّخصيّات في رحلة الغفران : إثارة سخرية القارئ من ابن القارح:

وفّر المعرّي لذلك وسائل مختلفة كانت شخصيّات الرحلة متدخّلة فيها :

  • ومنها السّخرية بالموقف: وذلك بكشف الشخصيّات عن انح ا رف البطل مثال ذلك اختلاء البطل بحمدونة وتوفيق السوداء في الجنّة وهو يحسبهما من الحور العين فيمعن في اللذة الحسيّة ثمّ يكتشف أنّهما كانتا من أقبح خلق الله في الدنيا، أو موقف الجارية وهي تحمله لتعبر به الصّراط ” وجعلت تمارسني وأنا أتساقط عن يمين وعن شمال “
  • سخرية الحركة: مشهد ملاحقة الحيّة ابن القارح تدعوه إلى اللذّة فيذعر منها ” ويذهب مهرولا في الجنّة ” أو مشهد السجدة الماجنة
  • إلى ذلك السخرية بالكلمة: نتبيّنها في أقوال كثيرة منها قول زفر ” لا أشعر بالذي حممت أي قصدت وأحسب هذا الذي تجيئني به قرآن إبليس ولا ينفق على الملائكة..” أو قول إبليس ” ما أ ريت أعجز منكم إخوان مالك، ألا تسمعون هذا المتكلّم بما لا يعنيه فلو أنّ فيكم صاحب نحيزة قويّة لوثب وثبة حتّى يلحق به فيجذبه إلى سقر “

— مثّلت الشخصيّات بما عاشته مع ابن القارئ من وضعيّات مفارقة عنصرا موجّها للقا رئ في تحديد موقفه من بطل رحلة الغفران.
حمّل المعرّي شخصيّات قصّته عدّة وظائف تدور حول البطل فتفضحه وتجعله محلّ سخرية..

الوظائف القصصيّة للشخصيّات:

أ- مساهمتها في بناء عالم القصّة: فقد خضعت الشخصيّات للفعل التخييليّ حين عمد المعرّي إلى إعادة خلقها في عالم الحكاية وجمعها في إطار واحد رغم انتماءاتها الزمنيّة المتباعدة وأجناسها المتباينة ( نبات، حيوان، إنسان، ملائكة وشياطين) حرصا منه على إدخالها في النسيج القصصيّ ليطوّر بها البناء القصصيّ الداخليّ متّخذا رغبات ابن القارح في اكتشاف عالم الجنّة وفي الاستمتاع بالحكي سبيلا إلى تحقيق برنامجه السرديّ.

وهكذا تولّدت عشرات القصص الفرعيّة بأطرها وأحداثها وشخصيّاتها ردّا على سؤال البطل عن كيفيّة دخول الشخصيّات الجنّة وما تفرّع عنه من أسئلة من قبيل

” بم غفر لك؟ “، ” كيف كان خلاصك من النار وسلامتك من قبيح الشنار؟ “… وبذلك انكشف عالم القصّة بناء فنيّا تعدّدت قصصه تضمينا وتوليدا وبدا كلّ عالمها عالم الشخصيّات تنجز الفعل القصصيّ ثمّ تحكيه.

ب – مساهمة الشخصيّات في ضروب القصّ : نوّعت الشخصيّات ضروب القصّ خاصّة في مستوى القصص الفرعيّة فهي قصص أفعال وأحوال وأقوال:

  • الأفعال: تتحوّل فيها الشخصيّة من السكون إلى الاضطراب فالعودة إلى السكون من جديد كالقصّة الإطار أي قصّة تعريج ابن القارح إلى عالم السماء والغيب
  • قصص الأحوال وتتجسّد في مراحل ثلاثة هي انبعاث الرغبة والسعي إلى تحقيقها فالخيبة كما في قصّة ابن القارح مع الحوريّتين ومع الحوريّة المنبثقة من الثورة
  • الأقوال التي تمرّ فيها الشخصيّة بم ا رحل التعارف فالمجادلة لينتهي بالخيبة أو التعلّم كما نجده في حوار ابن القارح مع إبليس أو محاورته لأدباء الجحيم مثل الأخطل.

ت – مساهمة الشخصيّات في بناء المكان: إذ كما ساهم ابن القارح في بناء الجنّة وفق غرائزه وخلفيّته الأدبيّة، ساهمت بقيّة الشخصيّات في بناء المكان، في القصص الفرعيّة، وفق مرجعيّاتها الثقافيّة فالمطّلع على عالم الغفران يجد نفسه في جنّة وارفة الظلال كثيرة النعم كثيرة الشخصيّات المستجيبة إلى رغبات البطل وغ ا رئزه، قد نشأت وتحدّدت عناصرها المكانيّة جزاء من الكاتب أبي العلاء المعرّي لابن القارح المرجع عبر تحقيق الإشباع لشخصيّة ابن القارح بطل القصّة العلائيّة.

ث – مساهمة الشخصيّات في إنشاء الزمان: تعدّ الشخصيّات أهمّ العناصر التي حقّقت البعد الخياليّ العاجئبيّ لقصّة الغفران حين تواصل ابن القارح مع شخصيّات من أزمنة متباعدة. كما قدّم الزمان من خلال وعي الشخصيّة به ممّا جعله يتلبّس بأحوالها.

الوظائف النقديّة للشخصيّات:

الشخصيّات في فضحها لابن القارح وسخريتها منه إنّما تتّخذه وسيلة لنقد مجتمع المعرّي بغية إصلاحه. فقد تفشّت في عصره مظاهر الفساد القيميّ كالوساطة، الرشوة، التملّق والتذلّل لذوي الجاه والسلطان، المجون.. وكذلك سادت المعتقدات العاكسة لغياب العقل في النظر في الغيبيّات التي منها قضايا الشفاعة، الغفران، العدل الإلهيّ، والتصوّر الماديّ للجنّة..