الرمز في الأدب الرومنطيقي أساس لا غنى عنه فهو ميسم هذا التيار الأدبي، ومنه يستمدّ جوهره
الرّومنطيقيّة تعرف بكونها انتفاضة ذات طابع عالمي ضد الماضي ومخلّفاته وذلك أنّها اهتمّت بالتّجديد في الأساليب والمضامين وفي هذا السّبيل أدركت الرّومنطيقيّة أنّ الشّعر ينبغي أن يشتمل على شيء من الإيحاء بالدّلالة بدل توصيلها مباشرة وأن يترك شيئا لخيال القارئ وذهنه مثلما يحصل مع الصّورة الرّومنطيقيّة الّتي تأتي ضبابيّة مظلّلة قابلة للإدراك ولكن بخفّة الذّهن يتطلّع إلى مضمونها دون أن يستطيع القبض عليه.
فعالم الرّومنطيقيّ هو عالم الجمال هذا الجمال غامض غير محسوس وكان عليهم أن يعبّروا عنه بالإيحاء ولهذا لجأوا إلى الرّمز حتّى لا تذهب متعته، يقول بودلير “شيئان يتطلّبهما الشّعر: مقدار من التّنسيق والتّأليف ومقدار من الرّوح الإيحائيّ أو الغموض والشّعر الزّائف هو الّذي يتضمّن إفراطا في التّعبير عن المعنى بدلا من عرضه بصورة مرقّعة وبهذا يتحوّل الشّعر إلى نثر”. وبذلك كان ل الرمز أهميته في الأدب الرومنطيقي
فالشّعر خلق من الجمال في جوّ من الحلم وتعطّش إلى اللاّنهائيّ واللاّمحدود والاندفاع إلى الجمال الغيبيّ المجهول لأنّ البوح بكامل الأشياء يعرّيها، لهذا يسعى الشّاعر إلى نفي الوضوح وخلق جوّ ضبابيّ فيه كلّ عجيب مبهم والشّعر إيحاء فكثيرا ما تعجز اللّغة عن آداء المعاني الّتي تضطرب في أعماقه، فالكلمة لم تعد لتلزم معنى واحدا شائعا لأنّها طاقة مشحونة بالتّعدّد الدّلاليّ ولزومها دلالة واحدة شائعة يفرغها من قيمة هذا التّعدّد فقد يعقد الشّاعر الرّومنطيقيّ صلة بين عنصرين غريبين أو متنافرين لا تجانس مألوفا بينهما. يقول جبران : هل تحمّمت بعطر وتنشّفت بنور
وشربت الفجر خمرا في كؤوس من أثير
ومن ذلك يتوسّل الشّعراء إلى الغموض ببعض الوسائل أو الطّرق الفنّية مثل غزارة الصّور وازدحامها وتدفّقها دونما تتابع أو تراتب منطقيّ فقد حذفوا من أساليبهم ما يعين على الوضوح والفهم، حذفوا أدوات التّشبيه وبعض أدوات الوصل كما خالفوا بعض القواعد النّحويّة بل استعملوا كلمات غير مألوفة.
لقد تعوّدنا في الشّعر القديم أن تنتظم كلماته وفق علاقات تستهدف الفهم والإدراك من خلال رؤية منطقيّة أو لا تبتعد عنها أمّا في الشّعر الرّومنطيقيّ فما يقرّر هذه العلاقة هو إحساس الشّاعر المتميّز بالحياة والأشياء من حوله هو ما يدفعه إلى إيجاد صلات غريبة بين الكلمات والأشياءومزج الأضداد يعدّ ملمحا مكوّنا لجماليّات الرّومنطيقيّة حتّى صارت هذه الفكرة سمة شعريّة تتضمّن قدرة الشّعر على أن يبرز من خلال ماضيه من تناقض وتضادّ تناسبا خفيّا، يقول التّشيكي كارل سابينا:” إنّ الانسجام يتولّد من التّباينات والعالم كلّه يتكوّن من عناصر متعارضة” ويقول الشّابّي في مقدّمة الينبوع:”وبالجملة فهي تدعو إلى حرّية الفرد من كلّ قيد يمنعه من الحركة والحياة وهي في ذلك لا تكاد تتّفق مع المدرسة الحديثة لا يعدل بحرّية الفنّ شيئا ولا يحفل في سبيل ذلك حتّى بقواعد اللّغة وأصولها، وبذلك أحيا جبران رفات بما بثّه فيه من حياة جيّاشة تكره على التّخييل والشّعور والتّفكير”ومن لم يحرّكه أدب جبران ولا يثيره شعوره فإنّما هو روح مقفرة وقلب مهدوم.”