شرح نص هل الأخبار حجة الجاحظ

شرح نص هل الأخبار حجة الجاحظ، محور المنزع العقلي في الأدب العربي القديم

أهداف شرح نص هل الأخبار حجة الجاحظ :

*تبيّن الخصائص الفنيّة المميّزة لكتابة الجاحظ:
-بنية النّصّ النّازع نزعة الجدل
-الحجج في نصوص الجدل:طبيعتها-ترتيبها-وظائفها
*استجلاء مظاهر المنزع العقليّ عند الجاحظ:
-مقاصد الجاحظ من وراء الدّفاع عن حجّية الأخبار:لحظة التّأسيس لثقافة البيان
-حدود النّزعة العقليّة:الاحتجاج إلى البيان أم الاحتياج إليه في تأسيس ثقافة وسيطة؟

1-التّمهيد:

ما هي الحجّة؟ومتى تكون حجّة؟وما الّذي يجعلها حجّة؟

أسئلة طرحت على العقل العربيّ في عصر الجاحظ لمّا تكاثفت حركة الجدل وصارت كلّ فرقة تدافع عن حجّيّة وسائلها بين نقل الأخبار وابتكار الدّلائل المنطقيّة واستقراء التّجارب الحسيّة؟

فهل يستقيم إقصاء حجيّة الأخبار من دائرة المعرفة الصّحيحة؟وكيف يكن الخبر من المعرفة الصّحيحة؟ثمّ ألا يسقط التّشكيك في حجيّة الأخبار دعائم ثقافة النّقل؟

2-الموضوع:

الدّفاع عن حجّيّة البيان القاهر-الأخبار- تشريع لعقلنة المنقول العربيّ في مشروع الجاحظ المعتزليّ

3-مقاطع شرح نص هل الأخبار حجة الجاحظ :

المعيار:اكتمال مراحل البنية الجدليّة للنّص الحجاجيّ يبدي النّصّ ثلاثة مقاطع

1-:عرض أطروحة الخصم:الحجّة عيان ظاهر مفحم:البداية-من جميع البريّة

2-:معارضة أطروحة الخصم:البيان القاهر من الحجّة:من قلنا إلى ولا يستطيعون فعله

3-:تأسيس أطروحة بديلة وتدعيمها:الحجّة عيان وبيان مقنعان:بقيّة النّصّ

è1بنية النّصّ الجدليّ حواريّة تتقارع فيها أطروحتان متناقضتان أو مختلفتان

4-محاور الاهتمام:

1-بنية النّصّ النّازع نزعة الجدل

2-الحجج في نصوص الجدل:طبيعتها-ترتيبها-وظائفها

3-مقاصد الجاحظ من وراء الدّفاع عن حجّية الأخبار:لحظة التّأسيس لثقافة البيان

4-حدود النّزعة العقليّة:الاحتجاج إلى البيان أم الاحتياج إليه في تأسيس ثقافة وسيطة؟

مرحلة التّفكيك:

1-المقطع الأوّل من شرح نص هل الأخبار حجة الجاحظ :عرض أطروحة الخصم:الحجّة عيان ظاهر مفحم:

*+*وسائل العرض:

-*نقل منطوق الخصم:

-نقل مؤطّر بإن الفرضيّة:إحالة على موقف شائع لم يسند إلى صاحب بعينه

è1-جدل الجاحظ مواجه لتيّار فكريّ يقدّم المحسوسات حجّة ودليلا ويقتصر منها على الأقوى المعجز وقد مثّلته فرق وتيّارات فكريّة في عصره(الطّبيعيون التيّارات الماديّة…)

-*صياغة منطوق الخصم:

-صياغة جازمة تحمل روح التّأكيد والوثوقيّة  في الحصر’لا…حتّى…’:خصم دغمائيّ أميل إل الأحكام الصّارمة

è3-صورة الخصم في ذهن الجاحظ صورة غير عقليّة إذ لم تكتمل شروط التّعقّل فيها ومن هذه النّقيصة يمكن طعن مواقفها

-*تفصيل أنواع الحجج في تصوّر الخصم:

-تفصيل استعراضيّ لبعض وجوه المعجزة كما شاعت في الثّقافة القديمة منسوبة إلى الأنبياء منزوعة عن البشر

è3-مثل هذا التّفصيل ينزع عن البشر القدرة على إنتاج الحجّة ويعطّل بذلك آلة البيان عنها،العقل المستدلّ.لقد رما الجاحظ إلى إحراج خصومه بنفيهم للعقل في رفع الحجّة إلى مراتب فعال النّبوّة.

-*تفصيل وجوه الموقف وإجمالها:

-تفصيل تحقّقه التّفريعات وإجمال يقيمه القصر والنّفي:’أمّا…فلا يجوز…’ليصرّح بأطروحة جليّة:لا حجّة في فعال العباد وأقوالهم

è2-دقّق الجاحظ عرض موقف الخصم واستقصى الحجج والمواقف لكن بشكل يساعده على الطّعن والتّجريح في قسم المعارضة

*+*كيفيّة العرض:

-*العرض استدلالي:

تدرّج ثلاثيّ من الموقف إلى دلائله فاستخلاص الحكم منه

è1-خضعت عمليّة عرض موقف الخصم إلى نظام استدلاليّ يبدي الجاحظ محايدا دقيقا

è4-لكنّ ما ينتقيه من حجج وما يتخيّره من صيغ ومصطلحات يجعل موقف الخصم أقرب إلى الانغلاق ومن هناك يمكن طعنه

*+*مضامين العرض:

-*مفهوم الحجّة عند أهل العيان:

-البحث في ما يمكن أن يصدّق ويكون حقيقة علميّة ثابتة قد جرّ العقل إلى الغربلة وتضييق أفق الدّليل عند حدود العيان الظّاهر الّذي لا يقبل الشّك ولا يقدر عليه الإنسان فهو قاهر مفحم قاطع”إنّ الحجّة لا تكون حجّة حتّى تُعجز الخليقة وتخرج عن حدّ الطّاقة”

è4-هذا التّصوّر المضيّق لحدود الحجّة لا يخلو من مثاليّة ترفع عن البشر القدرة والفعل وإنتاج الدّليل وتطعن في سلامة المواضعات الثّقافيّة المتوارثة

-*إخراج الأخبار من دائرة الحجّة/الدّليل:

-إخراج مبرّره الانتماء إلى فعال العباد وأقوالهم ومحدوديّة إرادة الإنسان سبيل إلى الطّعن في منتجه الثّقافيّ من الدّلائل والحجج

è4-هذا الإخراج للأخبار هدم لأساس ثابت من أسس الثّقافة العربيّة الإسلاميّة منقولها المتوارث وقيمته المعرفيّة

*+*مقاصد العرض:

-*مقصد تفسيريّ:

-كشف قدرة الجاحظ على فهم موقف الخصم وتبيّن مختلف مكوّناته مع الحرص على أمانة العرض

-*مقصد حجاجيّ:

-تتبّع مكوّنات الموقف المخالف لاكتشاف مواطن ضعفه والتّركيز عليها في تقويضه

-*مقصد حضاريّ:

-كشف واقع ثقافيّ ميسمه الحريّة الفكريّة في الجدل واختلافها المثري للعقل العربيّ الوسيط

è3-يعبّر الجاحظ بذلك عن لحظة ثقافيّة تقاطع فيها الوافد البرهانيّ والأصيل البيانيّ وتصارعا في التّأثير على بنية العقل العربيّ،هل يؤصّل في تراثه النّقليّ أم يتجاوزه نحو المعقول الحسيّ العلميّ القاهر؟؟

2-المقطع الثّاني:معارضة أطروحة الخصم :البيان القاهر من الحجّة:

*+*وسائل المعارضة:

-*العرض التّعليميّ:

-صيغ القصر والنّفي والتّفسير والافتراض الشّرطيّ تلقي جميعها في بناء خطاب تعليميّ ميّال إلى التّفصيل والتّفسير والشّرح والإبانة

è2-تؤدّي الحجج المحشورة داخل القسم وظيفة تفسيريّة أقرب ما تكون إلى تعليم الخصم ما  لا يعلم من عقل الجاحظ

-*الخطاب التّجريديّ:

-وضع الفرضيات في مثال البصريين والكوفيين والتّكثيف من التّعليل ب’إذ’يحيل على بناء تصوّرات تحتاجها المحاجّة في تعديل موقف الخصم وحمله على التّراجع

è2-يتدرّج الخطاب من التّفسير والتّعليم إلى التّأثير والفعل النّفسيّ في الخصم بما يقدّم من وضعيات لا يجوز إسقاطها من تصوّر قوّة الحجّة.

-*تنويع الحجج:

-حفل القسم ب08حجج تنوّعت بين مجرّدة عقليّة ومجرّبة واقعيّة[1-3:منطقيّة مجرّدة/        4-5:واقعيّة مجرّبة/6-7:منطقيّة مجرّدة/8-واقعيّة مجرّبة]

è2-في تنويع مصادر الحجج ما يوحي بتنوّع مصادر ثقافة الجاحظ المتكلّم وقدرته على توظيفها في حجاجه الجدليّ

è2-ترتيب الحجج بين واقعيّة وعقليّة مراوحة تعليميّة تجسّد المجرّد فتكسب الخطاب روحا تفسيريّة.

*+*كيفيّة المعارضة:

-*التّدرّج السّلس:

-تدرّج من نفي التّهمة إلى تعديل الموقف وإبعاده عن التّطرّف والأحاديّة:لا ثقة في الأخبار في حدّ ذاتها وإنّما الثّقة في أسانيدها أوّلا

è3-حجّة الأخبار وليدة علاقتها بواقعها ومصداقيّة أسانيدها فواقعيتها حاسمة في نسبتها إلى الحجّة’خبرا قاهرا’أو عدم نسبتها

-*من بناء الموقف إلى شرحه:

-تدرّج داخليّ يقيم الموقف باختزال”وإنّما زعمنا أن مجيئها حجّة” إلى تفصيله بدلائل ومقوّمات تجمع المنطق الفرضيّ والمنطق العمليّ

è1-بعرف النّصّ الجدليّ تفرّعا داخليّا في الدّحض أو المعرضة يجرّ الجاحظ إلى ضرب من الاستدلال الصّوريّ

*+*مضامين المعارضة:

-*مفهوم الحجّة عند الجاحظ:

يتبنّى الجاحظ موقفا ثقافيّا من الحجّة لا يجعله من العلماء الّذين يستأنسون بالمشاهدة ولا من الفلاسفة الّذين يعتمدون المنطق وحده بل هو من المتكلّمين تشمل حججهم المنقول والمعقول معا يقول في رسالة حجج النّبوّة “فأقول:إنّ كلّ مُطيق محجوج والحجّة حجّتان:عيان ظاهر وخبر قاهر.فإن تكلّمنا في العيان وما يتفرّع منه فلا بدّ من التّعارف في أصله وفرعه منه.ولا بدّ من التّصادق في أصله،والتّعارف في فرعه.”

è4-دفاع الجاحظ عن حجّية الخبر رغم شكّه فيه إثبات لأسس ثقافة بيانيّة عربيّة إسلاميّة ينتمي إليها ويرسّخ بنفسه آليات تفكيرها في كتابه’البيان والتّبيين’

-*كيف تكون الأخبار حجّة؟

-صدق الخبر من صدق المخبر فقوّة الخبر في سنده الصّحيح وفي متنه المنطقيّ المقنع يقول في رسالة حجج النّبوّة”وكيف تقصر الحجّة عن بلوغ الغاية،وتنقص عن التّمام واللّه تعالى المتوكّل بها،ومسخّر أصناف البريّة ومهيّج النّفوس على إبلاغها وقد أخبر بذلك عن نفسه في محكم كتابه حين قال:”هو الّذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحقّ ليظهره على الدّين كلّه ولو كره المشركون”.وأدنى منازل الإظهار إظهار الحجّة على من ضارّه وخالف عليه”

è3-يحتجّ الجاحظ بكلام اللّه وهو أفضل الكلام بل هو المعجز والقبول به قبول بحجّيّة الأقوال أمّا رفضه فانسلاخ من الدّيانة ونسقها الفكريّ.

-*هل من تناقض بين حجّة الأخبار وحجّة الآثار؟

ما يقدّمه الجاحظ من حجج في النّصّ تصنع من المعقول معقولا وتقيم للخبر منطقا يقنع يقول في رسالة حجج النّبوّة “فالعقل هو المستدِلّ،والعيان والخبر هما علّة الاستدلال وأصله.ومحال كون الفرع مع عدم الأصل،وكون الاستدلال مع عدم الدّليل.والعقل مضمّن بالدّليل،والدّليل مضمّن بالعقل ولا بدّ لكلّ واحد منهما من صاحبه،وليس لإبطال أحدهما وجه مع إيجاب الآخر.

والعقل نوع واحد،والدّليل نوعان:أحدهما شاهد عيان يدلُّ على غائب والآخر مخبر خبر يدلُّ على صدق.”

è4-لا تعارض في فكر الجاحظ بين النّقل والعقل ما دام النّقل ناشئا عن عقل كونيّ أو إلاهيّ وما دام العقل مختزنا في نقل بشريّ مؤوّل أو في نقل دينيّ منزّل

è3-هذا التّكامل يشرّع لاستئناس أهل الكلام بالمعقول المنطقيّ في تأويل المنزّل وقراءة التّراث لتحقيق مشروع المعتزلة “شرح النّقل بالعقل”

-*لم نحتاج حجّة الأخبار؟

-مبرّر الحاجة حضاريّ وثقافيّ في آن فالعقل كما عرّفه الجاحظ نصّنا الفارط’أدب غيرك تضيفه إلى أدبك’من كتاب يقرأ أو حديث يسمع وكلاهما منقول وحركة التّمدّن مقامة أساسا على الكتاب وسلوك القراءة وما يقرأ هو منتوج من سبقنا يقول الجاحظ عن تعاقب المعرفة بين الأجيال’يكون سبيلنا إلى من بعدنا كسبيل من كان قبلنا إلينا’

è3-الحاجة إلى الأخبار من ضرورات التّأسيس ومن أساسيات تكوين العقل العربيّ إذ هو عقل متواصل مع تراثه تواصل الاستلهام والنّقد

*+*مقاصد المعارضة:

-*مقصد حجاجيّ:

-الردّ على مواقف متصلّبة في تحديد مجالات الاستدلال وتضييقها في ما لا يستطيعه الإنسان

-*مقصد مذهبيّ:

-توضيح قراءة اعتزاليّة توسّطت في الأخذ من كلّ مصدر بما يناسب العقل ويوافق أقيسته

è2-يرسّخ الجاحظ في احتجاجه على الخصم مبدأ المعتزلة’الحسن ما حسّنه العقل والقبيح ما قبّحه العقل’

-*مقصد حضاريّ:

-تثبيت ثقافة الكتاب وتشجيع النشء على فعل القراءة فعلا واعيا ينقل الشّخصيّة من الاستمتاع في السّماع إلى التّدبّر في القراءة

è4-ثقافة البيان المؤسّسة على قدسيّة الكتاب مستمدّة من أولى أيّ التّنزيل’اقرأ باسم ربّك…’

-*مقصد إنسانيّ:

-تحرير العقل من سلطة المناطقة المتعالية به عن محاكّة الواقع وإكسابه حركيّة الجدل في مناظرات المتكلّمين عصر الجاحظ

è4-ثقفاة البيان عند الجاحظ سلوك يجمع المساءلة والشّكّ ويحوّل الحجاج ضربا من المقابسة الفكريّة تحتاجها المرحلة لتحقيق تلاقح ثقافيّ مثر للعقل العربيّ لحظة تكوينه

3-المقطع الثّالث:تأسيس أطروحة بديلة وتدعيمها:الحجّة عيان وبيان مقنعان:

*+*وسائل التّأسيس:

-القصر والخطاب المباشر:

-خطاب تصريحيّ لا ينفي موقف الخصم لكنّه يقبل به ويزيد إليه فينزع نزعة التّعديل

*+*كيفيّة التّأسيس:

-المحاجّة التّوافقيّة:

-في تعديل موقف الخصم تعديل إضافة توافق في الطّبيعة واختلاف في المجال فتوسعة مجال الحجّة عند الجاحظ مقاصديّ يحشر من خلاله منتوج ثقافة البيان ضمن دائرة الحجج الدّامغة

*+*مضامين التّأسيس:

-*الحجّة ما أقنع من الأدلّة:

-مناقشة مدى التّوافق بين ما اعتبر من المعجزات ضرب من التّنبيه إلى وقوع أصحاب النّظر المحدود في تناقضات داخليّة تسقط صرامة الموقف

*+*مقاصد التّأسيس:

-*التّقريب بين الموقفين

-لا يجد الجاحظ في موقف خصمه ما يطعنه فقوّته في التّحفّظ ولا يرى في موقفه من نقيصة لذلك يحاول إكساب حجّية الأخبار بعض الإقناع الدّامغ المفحم للخصم

è4-لقد ظلّ الجاحظ يراوح مكانه بين الاطمئنان إلى موقف خصم قويّ والتّدليل على موقف مخالف لا يجد له نفس القوّة في تثبيته لذلك لا يقطع مع الخصم بل يحاول استمالته

مرحلة التّقويم شرح نص هل الأخبار حجة الجاحظ :

4-حدود النّزعة العقليّة:الاحتجاج إلى البيان أم الاحتياج إليه في تأسيس ثقافة وسيطة؟:

بدا موقف الخصم أقرب إلى الانغلاق والصّفويّة الفكريّة فهذا التّصوّر المضيّق لحدود الحجّة       لا يخلو من مثاليّة ترفع عن البشر القدرة والفعل وإنتاج الدّليل وتطعن في سلامة المواضعات الثّقافيّة المتوارثة.أمّا إخراج الأخبار من دائرة الحجّة فهدم لأساس ثابت من أسس الثّقافة العربيّة الإسلاميّة منقولها المتوارث وقيمته المعرفيّة

لذلك يعدّ دفاع الجاحظ عن حجّية الخبر رغم شكّه فيه إثبات لأسس ثقافة بيانيّة عربيّة إسلاميّة ينتمي إليها ويرسّخ بنفسه آليات تفكيرها في كتابه’البيان والتّبيين’ولا تعارض في فكر الجاحظ بين النّقل والعقل ما دام النّقل ناشئا عن عقل كونيّ أو إلاهيّ وما دام العقل مختزنا في نقل بشريّ مؤوّل أو في نقل دينيّ منزّل ومعلوم أنّ ثقافة البيان المؤسّسة على قدسيّة الكتاب مستمدّة من أولى أيّ التّنزيل’اقرأ باسم ربّك…’وهذه الثقافة البيانيّة عند الجاحظ هي سلوك يجمع المساءلة والشّكّ فيحوّل الحجاج ضربا من المقابسة الفكريّة تحتاجها المرحلة لتحقيق تلاقح ثقافيّ مثر للعقل العربيّ لحظة تكوينه

ومع ذلك فقد ظلّ الجاحظ يراوح مكانه بين الاطمئنان إلى موقف خصم قويّ والتّدليل على موقف مخالف لا يجد له نفس القوّة في تثبيته لذلك لا يقطع مع الخصم بل يحاول استمالته

مرحلة التّأليف شرح نص هل الأخبار حجة الجاحظ :

1-بنية النّصّ النّازع نزعة الجدل:

بنية النّصّ الجدليّ حواريّة تتقارع فيها أطروحتان متناقضتان أو مختلفتان وقد خضعت عمليّة عرض موقف الخصم إلى نظام استدلاليّ يبدي الجاحظ محايدا دقيقا وبعرف النّصّ الجدليّ تفرّعا داخليّا في الدّحض أو المعارضة يجرّ الجاحظ إلى ضرب من الاستدلال الصّوريّ ذاك أنّ جدل الجاحظ مواجه لتيّار فكريّ يقدّم المحسوسات حجّة ودليلا ويقتصر منها على الأقوى المعجز وقد مثّلته فرق وتيّارات فكريّة في عصره(الطّبيعيون التيّارات الماديّة…)لذلك يحاول تنويع الحجج في مواجهته بمنطقه العقليّ.

2-الحجج في نصوص الجدل:طبيعتها-ترتيبها-وظائفها:

دقّق الجاحظ عرض موقف الخصم واستقصى الحجج والمواقف لكنه رتّبها  بشكل يساعده على الطّعن والتّجريح في قسم المعارضة ويميل بها نحو التّفسير والتّعليم إلى التّأثير والفعل النّفسيّ في الخصم بما يقدّم من وضعيات لا يجوز إسقاطها من تصوّر قوّة الحجّة.فتؤدّي الحجج المحشورة داخل القسم وظيفة تفسيريّة أقرب ما تكون إلى تعليم الخصم ما  لا يعلم من عقل الجاحظ ويكفي في ذلك ترتيب الحجج بين واقعيّة وعقليّة ليحقّق مراوحة تعليميّة

ولعلّ في تنويع مصادر الحجج مقابل ذلك ما يوحي بتنوّع مصادر ثقافة الجاحظ المتكلّم وقدرته على توظيفها في حجاجه الجدليّ ثمّ إنّ الجاحظ بهذه الحجج المنوّعة يرسّخ في احتجاجه على الخصم مبدأ المعتزلة’الحسن ما حسّنه العقل والقبيح ما قبّحه العقل’

3-مقاصد الجاحظ من وراء الدّفاع عن حجّية الأخبار:لحظة التّأسيس لثقافة البيان:

لقد رما الجاحظ إلى إحراج خصومه بنفيهم للعقل في رفع الحجّة إلى مراتب فعال النّبوّة فقدّم له صورة غير عقليّة إذ لم تكتمل شروط التّعقّل فيها ومن هذه النّقيصة يمكن طعن مواقفها

ذاك أنّ مثل هذا التّفصيل في شروط الحجّة الدّامغة ينزع عن البشر القدرة على إنتاج الحجّة ويعطّل بذلك آلة البيان عنها،العقل المستدلّ..ولمّا كان الجاحظ مثقّفا يعبّر عن لحظة ثقافيّة تقاطع فيها الوافد البرهانيّ والأصيل البيانيّ وتصارعا في التّأثير على بنية العقل العربيّ،فقد أرّقه سؤال ابستمولوجيّ هل يؤصّل عقله في تراثه النّقليّ أم يتجاوزه نحو المعقول الحسيّ العلميّ القاهر؟؟

ووجد في الأخبار حجّة متولّدة عن علاقتها بواقعها ومصداقيّة أسانيدها فواقعيتها حاسمة في نسبتها إلى الحجّة’خبرا قاهرا’أو عدم نسبتها.ويحتجّ الجاحظ في ذلك بكلام اللّه وهو أفضل الكلام بل هو المعجز إذ القبول به قبول بحجّيّة الأقوال أمّا رفضه فانسلاخ من الدّيانة ونسقها الفكريّ.

وبهذا التّكامل بين فروع النّقل يشرّع الجاحظ لاستئناس أهل الكلام بالمعقول المنطقيّ في تأويل المنزّل وقراءة التّراث لتحقيق مشروع المعتزلة “شرح النّقل بالعقل”

وبذلك تظلّ الحاجة إلى الأخبار أكيدة فهي من ضرورات التّأسيس ومن أساسيات تكوين العقل العربيّ إذ هو عقل متواصل مع تراثه تواصل الاستلهام والنّقد

يمكنكم الاطلاع على جذاذة شرح نص هل الأخبار حجة الجاحظ