شرح نص المعرفة والاستدلال الجاحظ

شرح نص المعرفة والاستدلال الجاحظ ( محور المنزع العقلي في الأدب العربيّ القديم الحيوان والرسائل الجاحظ) نص حجاجيّ سجاليّ يتكوّن من قسمين أخذا من كتاب الحيوان للجاحظ.

الموضوع:

يدعو الجاحظ إلى استخدام التّأمّل العقليّ سبيلا إلى تدبّر شؤون الدّنيا والدّينوتبيّن منزلة الإنسان في الكون.

المقاطع:

يخضع النّصّ لبنية النّصّ الحجاجيّ إذ استهلّ بعرض الأطروحة المدعومة الّتي استغرقت الجملة الافتتاحيّة من قوله عزّ وجلّ حكماء من هذه التّعبئة ومدار القول في الأطروحة الإعلاء من شأن المعرفة والتّرغيب في العمل بها في تدبّر شؤون الدّنيا والدّين أمّا ما بقي من النّصّ فيمثّل سيرورة حجاجيّة وقد بناها الجاحظ على لحظتين متكاملتين أولاهما لحظة نظريّة فيها تعظيم للمعرفة وبيان لحاجة الإنسان إليها أمّا اللّحظة الثّانية فهي تطبيقيّة أساسها دعوة الإنسان إلى التّأمّل في عالم الحيوانات سبيلا إلى الاستدلال على عظمة الخالق وحكمته.

شرح نص المعرفة والاستدلال الجاحظ

1- الأطروحة الإعلاء من شأن المعرفة والتّرغيب في العمل بها في تدبّر شؤون الدّنيا والدّين:

بنى الجاحظ أطروحته في بنية خاصّة هي بنية الخبر الإنكاريّ (مؤكّد بمؤكّدين): أوّلهما النّاسخ الحرفيّ “إنّ” وثانيهما أسلوب الحصر (لم…إلاّ) وهذا ما يوحي بأنّ الجاحظ يحاجج مخاطبا عارفا بمضمون خبر لكنّه منكر له غير مسلّم بوجاهته.

تنكشف الصّلة بين طرفي الحجاج في النّصّ باعتبارها صلة محكومة بالتّباين والتّعارض والخلاف

بدا الجاحظ وهو يبني أطروحته متدرّجا من ذكر منطوق النّصّ القرآنيّ إلى البحث عن غايات وأهداف تشترك المفردات الكاشفة عن منطوق النّصّ القرآنيّ في الإنسان إلى معجم عقليّ (الاعتبار /التّفكير/ النّظر / التّثبّت …)

إنّ هدف الجاحظ من وصل النّصّ القرآنيّ بالعقل ومتعلّقاته هو نقض حجّة الآخر المخالف له والمحرّم لإعمال العقل في تدبّر شؤون الدّين والدّنيا

إنّ منهج الجاحظ في قراءة النّصّ القرآنيّ هو منهج الانتقاء والتّطويع فقد انتقى منه ما يحثّ على التّفكير ويرغّب في إعمال العقل وأهمال ما عداه أمّا التّويع فيتجلّى في تسخير النّ القرآنيّ ليكون دليلا /برهانا على حاجة الإنسان إلى العقل.

أمّا النتيجة الّتي استخلصها من منطوق النّصّ فهي دعوة السّامعين إلى الاتّصاف بصفات العقل والحكمة والنّظر والتّفكير والاعتبار وبهذا النّحو يردّ الجاحظ على ما شاع في عصره من فرق كلاميّة تحرّم النّظر العقليّ في النّصّ القرآنيّ وتكتفي بالنّقل المأثور.

فالخلاف بين طرفي الحجاج خلاف منهجيّ مبدئيّ منهج الجاحظ (المعتزلة): تقديم المعقول على المنقولومنج المحاججين : تقديم المنقول على المعقول.

سيرورة الحجاج:

منشورات ذات صلة قد تفيدك:

– شرح نص العقل هو الحجّة

– نقد النقل عند الجاحظ

– شرح نص فخر السّودان على البيضان

– النزعة العقلية عند الجاحظ

– حدود النزعة العقلية عند الجاحظ

– منهج الجاحظ في التعامل مع الأخبار

– الخصائص الفنية المميّزة لكتابة الجاحظ

شرح نص المعاينة والتجربة

– الموضوعيّة والشك المنهجيّ في الحيوان والرّرسائل

– المعتزلة يتوسّطون الفرق للجاحظ

-مجالات البحث في مؤلّفات الجاحظ

– شرح نص هل الأخبار حجّة

– شرح نص وجوه إدراك العلم بما هو غائب

– النص التفسيري

– شرح نص العقل هو الحجة

عمد الجاحظ في مستهلّ سيرورة الحجاج إلى أسلوب التّعداد وهو ما تجسّم بحضور بعض الرّوابط المنطقيّة الّتي تفيد الجمع والإضافة وقد مكّن أسلوب التّعداد الجاحظ من تكثيف حجج منطقيّة صيغت بتراكيب شرطيّة تلازميّة فيها ربط بين الأسباب والنّتائج.

إنّ ما تحدّد فيه الشّروط (استعمال المعرفة/الاستدلال بالأدلّة/ يميّز الأمور) هو الدّوران على العقل وما يقتضيه من نظر واستدلال وتمييز أمّ الأجوبة ( اكتساب المعرفة للمعنى ) و”اكتساب وضع الدّلالة للمعنى لما خلق العيون المدركة الإقبال على الخير والإعراض عن الشّرّ أمّا أجوبة الشّرط تتّحد في الدّوران على حكمة الكون وعظمة الخالق في تشكيله على أساس الأضداد والنّقائض:

تتّفق هذه الحجج المنطقيّة في جعل حكمة الكون ووضع الدّلالة فيه مبنيّين قائمين على ما يوصل إليه العقل

يستحيل العقل عند الجاحظ آلة يكتشف بها الإنسان دلالة الوجود وحكمة الخالق فيه انفتحت الحجّة المنطقيّة الرّابعة على تتبّع أعمال الإنسان وقد بناها الجاحظ بناء علّيّا سببيّا وهو ما جسّمته بعض الرّوابط المنطقيّة كفاء الاستئناف الّتي فدلّ على النّتيجة أو الغاية حتّى يذكر بالمكروه مرتبطا بالعقاب

وقد ظهر الإنسان في ضوء ما لأسند إليه من أفعال كائنا حرّا مختارا فاعلا مسؤولا.

لا يكتفي الجاحظ كغيره من أهل الاعتزال بالإعلاء من شأن العقل فحسب وإنّما يجري أيضا إلى الإعلاء من شأن الانسان وردّ الاعتبار إليه بإخراجه في صورة الفاعل الحرّ المختار المسؤول بهدف تجريده من الصّورة الّتي رسمتها له بعض الفرق الكلاميّة الشّائعة في عصر الجاحظ وهي صورة تنتقص من شأنه وتنظر إليه باعتباره مائنا مسيّرا مجبرا على إتيان أفعاله لا حرّية له ولا إرادة ولا اختيار

إنّ العقل المتحكّم في النّصّ هو عقل الاعتزال الّذي يرفع من قيمة الإنسان واستطاعته على الفعل وقدرته على التّمييز بين الأشياء والأمور.

لم يغفل الجاحظ في غمرة حجاجه عن العناية بأدبيّة خطابه النّثريّ وقد وجد في السّجع وفي الجناس (يحبّ / المحبوب // يصبر /الصّبر// يكره /المكروه) والتّكرار والتّوازي التّركيبيّ أساليب فنّية سمت بالنّثر إلى مرتبة الكلام الموقّع المنغّم غير أنّ عنايته بادية بكلامه لم تكن مفصولة عن هدفه الحجاجيّ المتمثّل في التّأثير في الآخر وحمله على إعمال العقل والتّمسّك بعمليّته الذّهنيّة في تدبّر شؤون ال{ين والدّنيا لأنّ الكلام الموقّع المنغّم أقوى تأثيرا في الإنسان من الكلام المرسل المنثور فالكلام الموقّع أعلق بالأسماع يسير حفظه واللّافت للنّظر هو استرسال الجاحظ في تعظيم العقل بما يجعل منه محطّ اهتمامه وعنايته لذلك نزع إلى بناء الجملتين الاسميّتين للعقل من خلال ذلك محال وللرّأي … على أساس التّقديم والتّأخير. وإنّ تقديم العقل والرّأي في الجملتين دليل على أنّهما محطّ عناية المتكلّم

يبني الجاحظ بأسلوب تقريريّ استدلاليّ مرتّب في المعرفة أدنى درجاتهاالمعرفة الحسّية والمعرفة الوجدانيّة الغريزيّة وأعلى مراتبها المعرفة العقليّة البرهانيّة لكنّ الجاحظ باعتباره مفكّرا عقلانيّا قد أبدى ارتيابه وشكّه في المعرفتين الحسّية والوجدانيّة ونظر إليهما بانتقاص.

إنّ منهج الجاحظ في المعرفة هو إخضاع المعارف الحسّية والوجدانيّة لمقاييس العقل وأحكامه لتخليصها من نقائصها وأوهامها وأخطائها باعتبار أنّ المعارف الحسّيّة تكتفي في الغالب بظواهر الأشياء وتعتمد الحسّ أداة معرفيّة خادعة.

تجلّيات المنزع العقليّ:

شرح نص المعرفة والاستدلال الجاحظ

  • تجلّى المنزع العقليّ في القسم النّظريّ من سيرورة الحجاج في بعدين

أوّلهما: بعد مفتوح على الفكر الاعتزاليّ في اعتماد الاستدلال العقليّ على بعض المسائل العقليّة الفكريّة كمنزلة الإنسان في الكون وقد التبس هذا البعد بالسّجال والجدل.

وثانيّهما: يتمثّل في ما سعى الجاحظ إلى التّأسيس له من منهجعلميّ يقوم على مدارج من المعرفة أساسها النّظر والشّكّ والاستدلال والتّمحيص والاستنباط والاستقراء لذلك لم يطمئنّ إلى ما تسفر عنه المعرفة الحسّية والغريزيّة بل أوحى بحتميّة إخضاعها لأحكام العقل ومعاييره ومقاييسه فليست المعرفة الحسّية سوى معرفة جزئيّة ناقصة.

  • أمّا المعرفة العقلانيّة فهي المعرفة النّموذجيّة الوافيّة
  • استرسل الجاحظ في القسم التّطبيقيّ في سيرورة الحجاج في الاستناد إلى التّركيب الشّرطيّ التّلازميّ وقد دلّ على الامتناع وأساس الشّرط فيه دعوة الإنسان إلى اتّخاذ عناصر الكون كجناح بعوضة أو الدّيك والكلب سبيلا إلى إدراك حكمة الخالق وعظمته وقد حفل الشّرط بمفردات موصولة بالعقل (…………………………..)
  • التّعويل على العقل / عدم القناعة بظواهر الأشياء /التّخلّي عن أحكام العاطفة والهوى
  • ينزع الجاحظ وهو يعرض لمواصفات العاقل منزعا تعليميّا أساسه تهذيب العقول من الشّوائب وإحكام العاطفة والهوى ودعوة السّامعين إلى انتهاج منهج علميّ في تأمّل الكون وتدبّر منزلة الإنسان فيه.