شرح نص المعتزلة يتوسّطون الفرق الجاحظ

شرح نص المعتزلة يتوسّطون الفرق الجاحظ

التّقديم:

النّصّ حجاجيّ سجاليّ أخرج في شكل رسالة أدبيّة توجّه من الجاحظ إلى أحد الأشخاص الخارجين عن عقيدة المعتزلة وقد ورد النصّ ضمن رسائل الجاحظ.

الموضوع: شرح نص المعتزلة يتوسّطون الفرق الجاحظ

يعلي الجاحظ من فرقة المعتزلة مستندا إلى نهجها التّوسّطي في مواقفها من بعض المسائل الكلاميّة كمسألة الصّفات الإلهيّة أو مسألة المؤتي لمعصية القذف أو مسألة مقاتلة الفئة الباغية الظّالمة.

المقاطع:

منشورات ذات صلة قد تفيدك:

– شرح نص العقل هو الحجّة

– نقد النقل عند الجاحظ

– شرح نص فخر السّودان على البيضان

– النزعة العقلية عند الجاحظ

– حدود النزعة العقلية عند الجاحظ

– نص المعرفة والاستدلال

– منهج الجاحظ في التعامل مع الأخبار

– الخصائص الفنية المميّزة لكتابة الجاحظ

شرح نص المعاينة والتجربة

– الموضوعيّة والشك المنهجيّ في الحيوان والرّرسائل

-مجالات البحث في مؤلّفات الجاحظ

– شرح نص هل الأخبار حجّة

– شرح نص وجوه إدراك العلم بما هو غائب

– النص التفسيري

– شرح نص العقل هو الحجة

خضع النصّ لمقتضيات البناء الحجاجيّ فاستهلّ بالتصريح بالأطروحة المدعومة الدّائرة على القول بتوسّط المعتزلة في مواقفهم من بعض المسائل الاعتقاديّة الإيمانيّة.أمّا سيرورة الحجاج فامتدّت من قالت الجهميّة إلى حدّ قوله فيكون الحقّ ما قضـي به وصدر عليه ومدار الحجاج على المقارنة بين موقف المعتزلة من مسائل كلاميّة ثلاثة وموقف الفرق الكلاميّة الأخرى منها أمّا الاستنتاج فقد استغرق ما بقي من متن النصّ وقوامه حمل المرتدّ عن الاعتزال على التّسليم بوجاهة عقيدة المعتزلة.

شرح نص المعتزلة يتوسّطون الفرق الجاحظ:

الأطروحة المدعومة: الدّائرة على القول بتوسّط المعتزلة في مواقفهم من بعض المسائل الاعتقاديّة الإيمانيّة:

يصـرّح النّصّ منذ قسمه الأوّل بانتسابه إلى جنس الرّسالة الأدبيّة لا سيما وأنّه قد كشف عن طرفي التّرسّل فيه وهما الجاحظ بوصفه مرسلا وقد ظهر بضمير المتكلّم (أنا)”قلت” وابن حسّان المرسل إليه وقد أستدعي إلى النّصّ بضمير المخاطب (أنت) “لك” “سأقيمك” ومن ثمّة يبدو النّصّ حجاجيّا محكوما بالسّجال والجدل باعتباره يقيم علاقة ترسّل بين طرفين متعارضين أحدهما يتبنّى رؤية المعتزلة للمسائل الإيمانيّة الاعتقاديّة وهو الجاحظ وثانيهما خارج عن تصوّرات الاعتزال مرتدّ عنه وهو ابن حسّان لتكون بذلك الصّلة بين شخصين مختلفي اختلافا فكريّا.

يخلص الجاحظ في مستهلّ النّصّ إلى التبشير بمعرفة بديلة عن المعرفة الشّائعة القائمة على الأخبار.

اقترنت المعرفة الشّائعة بحقل معجميّ موصول بالسّماع والرّواية والتّخمين والظّنّ أمّا المعرفة البديلة فتعلّقت بحقل معجميّ آخر مشدود إلى العلم ومتعلّقاته.

لم يسلّم الجاحظ وهو المفكّر العقلانيّ بالمعارف السّائدة بل إنّه أخضعها لثنائيّة التّجريح والتّعديل باعتبارها مقوّما من مقوّمات المنهج العلميّ عند الجاحظ ولعلّ ما دفعه إلى الشّكّ في تلك المعارف هو صدورها عن التّخمين والظّنّ والسّماع والرّواية وهي كلّها مصادر موقعة في الخطإ لا ترضي المفكّر العقلانيّ والجاحظ إذ يستخفّ بالمعرفة السّماعيّة فإنّه يؤسّس على أنقاضها معرفة بديلة قوامها النّظر والبرهانوالنطق والمنهج العلميّ والاستدلال والتّقليب الذّهنيّ.

والجاحظ إذ سلك مسلكا سجاليّا حجاجيّا يستهدف من ورائه حمل المخاطب المعارض على الإذعان لأطروحته فإنّه قد عمد إلى استخدام بعض الحيل الحجاجيّة كحيلة التّأكيد الّتي أدّتها أداة الإضراب بل وقدحضرت في في موضعين أو صيغة التّفضيل وقد حسمت بصيغ تفضيل عديدة: والتّفضيل صار معها تفضيلا مطلقا مرجعه إلى تقديس الفكر المحكوم بالتّوسّط في النّظر إلى المسائل الدّينيّة أو حيلة بناء النّتيجة على السّبب فإذا باختيار الاعتزال مذهبا فكريّا نتيجة لقيامه على الوسطيّة والاعتدال.

إنّ الجاحظ ينتمي منذ القسم الأوّل من النّصّ إلى المعتزلة وقد أظهر نفسه بمظهر المنتسب إلى أهلها لذلك تحوّل من الحضور بضمير المتكلّم الأنا إلى الحضور بضمير نحن في نهاية القسم الأوّل منه

إنّ الجاحظ وهو يتبنّى فكر الاعتزال يسعى إلى تعليل مذهبه الكلاميّ مستخدما حججا منطقيّة عقليّة ما جعله متكلّما في الدّرجة الأولى.وهذا ما سيضطلع به القسم الثّاني من النّصّ باعتباره مسار حجاج.

 سيرورة الحجاج: مدار الحجاج على المقارنة بين موقف المعتزلة من مسائل كلاميّة ثلاثة وموقف الفرق الكلاميّة الأخرى منها:

اعتمد الجاحظ وهو يحتجّ لأطروحته القائلة باعتدال المعتزلة ووسطيّة نظريّتها إلى المسائل الإيمانيّة حيل الانتقاء والإسقاط بما ينسجم مع غايته الحجاجيّة وقد ضرب أمثلة ثلاثا مثّلت قوادح خلاف بين الفرق الكلاميّة في عهد الجاحظ تمثّلت المسألة الأولى في النّظر إلى الذّاتالإلهيّة من جهة تجسيمها وتجريدها أمّا المسألة الثّانية فهي موصولة بحكم من يقذف المرأة المحصّنة.

أمّا المسألة الثّانية فمرجعها إلى حكم من يرتدّ عن الإسلام

لقد اتبع الجاحظ تمشّيا واحدا وهو يريد مواقف الفرق الكلاميّة من تلك المسائل فيمضي إلى سرد مواقف أكثر الفرق الدّينيّة اختلافا وتعارضا ليخلص إلى التّصريح بموقف المعتزلة وقد عمد إلى أن يظهر موقفها بمظهر الموقف المحكوم بالتّوسّط والاعتدال ولعلّ هذا ما يتجسّم في موقف الاعتزال من قاذف المحصّنة وقد ذهب أصحابه إلى الحكم عليه حكما وسطيّا بأن نزّلوه في منزلة بين الكفر والإيمان وهذا ما يتجلّى في موقف المعتزلة من المرتدّ عن الإسلام لا من أجل قتله أو استحلال أمواله وليس من شكّ في أنّ هذا المنهج في الحجاج منهج محكوم بالمخاتلة والمقارنة.

باعتباره قد قدّم مواقف المعتزلة على مواقف غيرها محتجّا لتوسّطهم واعتدالهم وقد وجد الجاحظ في حجج المقارنة ما به أثبت أطروحته القائلة بتوسّط الاعتزال في مواقفهم الدّينيّة وأحكامهم الكلاميّة.

ومن مظاهر مخاتلة الجاحظ هو نزوعه إلى الاختزال والإجمال في مواقف الفرق الكلاميّة الأخرى من تلك المسائل الخلافيّة فأسقط متعمّدا الحجج والأسباب الّتي استندت إليها تلك الفرق الكلاميّة بهدف إحكام إقناعيّتها وتجريدها من مقبوليّتها أمّا مواقف المعتزلة فقد أفاض فيها وأسند بحجج وأدلّة وبذلك لم يتّصف الجاحظ وهو يعرض لمواقف الفرق الكلاميّة من تلك المسائل الخلافيّة الثّلاث لم يتّصف بالحدّ الأدنى من الموضوعيّة العلميّة حينما جرّد تلك المواقف المنقولة عن الجهميّة والرّافضة والمرجئة والبكريّة من أصولها العقليّة وحججها المنطقيّة .

للجاحظ عيبان : أحدهما التّخلّي عن الموضوعيّة والحياد في بعض المواقف كما كان الأمر بالنّسبة إلى الجاحظ في هذا النّصّ ( إنّ ما دفع الجاحظ إلى التّخلّي عن الموضوعيّة بوصفها شرطا علميّا مطلوبا هو موقفه من السّجال الدّائر بين سائر الفرق الكلاميّة في بعض المسائل الإيمانيّة وهو موقع الطّرف المشارك لا موقع الطّرف المراقب. أمّا العيب الثّاني فهو عيب الإطلاقيّة والتّعميم على نحو ما ذهب إليه الجاحظ في النّصّ السّابق من تعظيم العقل واعتباره حجّة مطلقة والحال أنّه يبقى آلة بشريّة محدودة عاجزة عن الحسم في المسائل الغيبيّة الماورائيّة.

لقد سلك الجاحظ وهو يحتجّ لوجاهة مذهب المعتزلة في تدبّر شؤون الدّين والدّنيا يعمل على حمل المخاطب على التّسليم بذلك مسلكا حجاجيّا أساسه رواية أقوال الفرق الكلاميّة في مسائل خلافيّة ثلاث هي التّالية : ــ الذّات الإلهيّة بين التّنزيه والتّشبيه

                                       ــ القاذف وحكمه

                                      ــ المرتدّ عن الدّين.

غير أنّ الجاحظ قد قدّم أقوال سائر الفرق الكلاميّة في حين أخّر أقوال المعتزلة في كلّ مرّة ليظهرها بمظهر الأقوال الصّائبة المصوّبة لمزالق غيرها انسجاما مع غايته في إقناع المخاطب بوجاهة فكر الاعتزال ولم يكن الجاحظ موضوعيّا في عرض تلك الفرق إذ بدا منحازا إلى المعتزلة حينما اكتفى بالاختزال والإجمال والإنتقاد في إيراد أقوال سائر الفرق الكلاميّة ليجرّدها بذلك من حججها وبراهينها وعللها إضعافا لها عند القارئ وفي مقابل ذلك عمد إلى الإطالة والإسهاب حينما تعلّق الأمر بأقوال المعتزلة ليتبع أحكامها بالعلل اللاّزمة والبراهين المقنعة حملا للسّامع على التّسليم بوجاهة تلك الأحكام

بدا الجاحظ في هذا النّصّ خارجا عن شروط العلميّة ومقتضيات العقلانيّة لتخلّيه عن الموضوعيّة والحياد والتّعامل مع الفرق الكلاميّة بنفس المنظور لأنّ الفكر العلميّ العقلانيّ يستلزم التّخلّي عن الّذاتيّة والمعياريّة (وقالت المعتزلة بالقول المرضيّ): إنّ الحكم على قول المعتزلة بأنّه قول مرضيّ حكم ذاتيّ معياريّ لا ينبني على برهان عقليّ أو دليل علميّ

إنّ ما دفع الجاحظ إلى الخروج عن شرط العلميّة والعقليّة هو انخراطه في السّجال الدّائر بين الفرق الكلاميّة في عصره فانتماؤه إلى المعتزلة هو الّذي جعله منحازا ذاتيّا معياريّا في أحكامه وأقواله والحال أنّ المنهج العلميّ يستوجب أن يكون المفكّر خارجا عن موضوع السّجال متحلّيا بالموضوعيّة والحياد.

من سقطات الجاحظ في بعض نصوصه تغليب انتسابه المذهبيّ إلى المعتزلة على مقتضيات العلم وشروط العقل

الاستنتاج: حمل المرتدّ عن الاعتزال على التّسليم بوجاهة عقيدة المعتزلة. شرح نص المعتزلة يتوسّطون الفرق الجاحظ

خلص الجاحظ في القسم الثّالث من النّصّ إلى الاستنتاج وقد استحضر المخاطب المرسل إليه بضمير المخاطب(أنت) “حفظك/ تظنّ/ عندك/ عليك…” وقد بدا الجاحظ ساخرا منه متهكّما عليه متّهما إيّاه بالجهل والافتقار إلى المعرفة العقليّة وهو ما عبّرت عنه بعض الاساليب المخصوصة كأسلوب الدّعاء الدّال على معان سياقيّة أساسها السّخرية والتّهكّم أو الاستفهام “كيف تظنّ بي…” المعبّر عن الإنكار واشّرط كقوله “إن كان عندك برهان واضح ودليل بيّن يكشف لنا عن الحال فيه فعليّ السّمع وعليك البيان والإفهام والدّليل والحرص” وبذلك يعرّض الجاحظبعجز المخاطب على تعليل خروجه عن المعتزلة تعليلا عقليّا علميّا

وقد تواترت في القسم الأخير من النّصّ مفردات تنتسب إلى معجم عقليّ خالص برهان/ دليل/ واضح/ بيّن / يكشف/ اليقين/ الإقرار وهذا المعجم العقليّ دليل على أنّ الجاحظ لا يحتكم إلاّ إلى العقل بلإنّه يعلّم الآخر لاستخدام عقله في تحليل مواقفه

قد بدت الجملة الشّرطيّة الأخيرة في النّصّ مختزلة للمنهج العلميّ العقلانيّ في تدبّر شؤون الدّين والدّنيا فجاء الشّرط متمثّلا في البرهان الواضح والدّليل البيّن الكاشف أمذا الجواب فمداره على التّسليم واليقين والإقرار وبذلك يتّخذ الجاحظ من البراهين العلميّة والأدلّة العقليّة طريقا إلى اليقين والمعرفة والتّصديق فلا تصديق عنده في غياب البرهان والدّليل.

مقالات ذات صلة

  • الموضوعية و الشك المنهجي عند الجاحظ
  • شرح المقطع الثاني من نص المعاينة والتجربة الجاحظ
  • شرح نص المعاينة والتجربة الجاحظ
  • الخصائص الفنية المميزة لكتابة الجاحظ :
  • شرح نصّ العقل هو الحجة للجاحظ