ضبط حد الرومنطيقية انطلاقا من أصول إيتيمولوجية
حد الرومنطيقية اللّغوي:
يمكن أن نضبط حد الرّومنطيقيّة انطلاقا من أصولها الايتيمولوجيّة فقد كان معنىRoman في الأصل يحيل على ما يتّصل بفروسيّة العصور الوسطى وقيمها ثمّ اتّسع معناها ليفيد “المناظر الشّعريّة والحوادث الخرافيّة والقصص الأسطوريّة” محمد غنيمي هلال ورغم تحوّلها لاحقا إلى مفهوم اصطلاحيّ أدبيّ محدّد فقد ظلّت الرّومنطيقيّة على صلة بمعناها الاشتقاقيّ إذ ظلّت تدلّ على الانسان الحالم المنطلق الّذي يتغنّى بقيم بادت ويحيا في غربة يتلذّذها زاعما معرفة ما يجهل الآخر.
حد الرومنطيقية الاصطلاحي:
الرّومنطيقيّة مذهب في الفنّ والفكر نشأ بأروبّا في بداية القرن التّاسع عشر ردّ فعل على ما كان سائد من تصوّر للأدب وعلاقته بالحياة في إطار ما يسمّى لاحقا بالكلاسيكيّة: هذا التّصوّر الّذي شغل الأدباء طيلة قرنين من الزّمن لذلك غالبا ما تعرف الرّومنطيقيّة بالخُلْف أي من خلال تعارضها مع المدرسة الكلاسيكيّة الّتي كانت سائدة عصرئذ وكان A.W.Schlegel أوّل من أبرز هذا الطّابع التّجريديّ للرّومنطيقيّة من خلال مقارنتها بما كان سائدا في الآداب الأروبّية
ولو تفحّصنا خصائص الأدب الّذي دعا نفسه أو دعي رومنطيقيّا في جميع أنحاء القارّة الأروبّية لوجدنا في كلّ مكان هناك نفس المفاهيم الخاصّة بالشّعر وبطبيعة الخيال الشّعريّ وكيف يعمل ونفس المفاهيم الخاصّة بالطّبيعة وعلاقتها بالإنسان ونفس الأسلوب الشّعريّ الّذي يتميّز بطريقة في استعمال الصّور والرّموز والأساطير تختلف عن طريقة الكلاسيكيّة المحدثة الّتي سادت في القرن الثّامن عشر،
ويعتبر رونيه ويليك أنّ هذه العناصر المشتركة الثّلاثة يمكن اعتبارها الثّوابت الّتي على أساسها تعرف الرّومنطيقيّة وأنّ العناصر الأخرى الّتي تنسب إلى الرّومنطيقيّة من نزوع فؤديّ وذاتيّة وانطواء يمكن أن تكون معدّلة أو مثرية أو مميّزة بذلك يلحّ على اعتبار العناصر الثّلاثة الثّابتة ” معايير ” مقنعة بشكل خاصّ ” لأنّ كلاّ منها يتّصف بأهمّية خاصّة لجانب من جوانب كتابة الأدب:
- الخيال بالنّسبة إلى نظرتنا إلى الشّعر
- الطّبيعة بالنّسبة إلى نظرتنا إلى العالم
- الرّمز والأسطورة بالنّسبة إلى الأسلوب الشّعري.” رونيه ويليك.
وقد تشعّبت المدرسة الرّومنطيقيّة بعد ذلك إلى مدارس مما عسّر أمر تعريفها، إلاّ أنّ الحدّ الأدنى المتّفق عليه يعتبر الرّومنطيقيّة أدب العاطفة المشبوبة والخيال المجنّح والرّمز البعيد على نقيض الأدب الكلاسيكيّ القائم على العقل وأحكامه والواجب وإلزامه وقد كان الذّهاب بعيدا والبحث عن العوالم الغريبة وجها من وجوه ردّ الفعل على القرن الأروبّيّ الثّامن عشر وشعوره بالدّعة والاسترخاء فكان التّوجّه زمانا إلى الماضي البعيد ( ما قبل التّاريخ ) وكان الرّحيل مكانا إلى الشّرق السّاحر ( مصر والهند )
لذلك يمكن أن نقدّم الرّومنطيقيّة على أنّها مذهب في في الفنّ والأدب يقوم على ثوابت
ثوابت الرومنطيقية
هي:
- أنّ الشّعر نبوّة: خيال يكشف الحقيقة العميقة ويتلمّس عوالم المثال
- أنّ الطّبيعة كتاب الحياة: نظام متناسق من الرّموز والتّوافقات الّتي تفيض بالحياة وتنطق بحقيقة الكون.
- أنّ الحياة بصيرة صافيّة وقوّة مطلقة: تعجز المفردات المألوفة عن التّعبير عن مدركاتها فلا بدّ أن تكون لغة الشّعر في عمق ما يبلغه الخيال وأن يركب الشّاعر مطيّة الرّمز والأسطورة تجاوزا لذلك القصور اللّغويّ.