الخيال في الأدب الرومنطيقي : خصائصه وأنواعه

الخيال في الأدب الرومنطيقي : خصائصه وأنواعه

افتقار الأدب العربي القديم إلى الخيال

الخيال في الأدب الرومنطيقي منطلق رئيس. كان الرّومنطيقيّون يوغلون فيه أيّما إيغال. وسبب هذا الخيال الجامح في ما يبدو وصف أرنست فيشر الرّومنطيقيّة، بأنّها ” نزعة ترمي إلى إضفاء معنى رفيع على الأشياء التّافهة، ومنظر باهر على الأشياء العاديّة وإسباغ روعة على الأشياء المعروفة

ويذهب فيكتور هيجو في تفسيره لهذا المنطلق بقوله ” إنّ الفرق بين المنتهي واللاّمنتهي هو الفرق بين الكلاسيكيّة والرّومنطيقيّة ومن أجل الحصول على اللاّمنتهي لا بدّ أنّ يتمتّع الخيال بحرّية تكفل له تخليط الصّور بعضها ببعض.

وإلى ذلك يذهب أبو القاسم الشّابّي إذ يدعو إلى خيال لا تحكمه قيود أو حدود: ” روح الشّاعر حرّة لا تطمئنّ إلى القيد ولا تسكن إليه.

حرّة كالطّائر في السّماء… والنّشيد الهائم في آفاق الفضاء حرّة فسيحة لا نهائيّة“.

لقد ذهب الشّابّي إلى أنّ الشّعر العربيّ القديم مفتقر حتّى في أبرز لحظاته إلى الخيال الإبداعيّ وأرجع ذلك إلى قصور “الرّوح العربيّة إذ من طبيعتها أن لا تحيط بغير الظّاهر المحسوس لذلك كان شعرها أجدب لا خيال فيه يشبه إلى حدّ بعيد الموامي المقفرة الموحشة والصّحاري الضّامية المتراميّة الّتي نما فيها وتدرّج

وهكذا يلحق الشّابي الخيال بعالم روحيّ يتنافر مع العقل والمادّة، فيغدو قرين نوع متميّز من المعرفة يسمو على المعرفة العقليّة،

وهو يناقض بهذه الرّؤية الإحيائيين ومفهومهم للخيال الّذي لا ينبغي أن يتجاوز حدودا معيّنة (العقل، الدّين، الحقيقة المادّية).

وما العالم المرئيّ إلاّ مخزن للصّور والمشاهد ذات الدّلالة. والخيال هو الّذي يضع كلاّ منها في موضعه ويكسبه قيمته الخاصّة به. والعالم كلّه بمثابة المواد الغفل في حاجة إلى الخيال الّذي يمثّله وينظّمه.

خصائص الخيال

فالخيال انعكاس لما تجيش به النّفس من عواطف ومشاعر.

وقد دفع ذلك كثيرا منهم إلى محاولة التّعرّف على ذواتهم بالغوص في أعماق النّفس،

وما توحي به من صورة لا شعوريّة تتجلّى في النّوم والأحلام، ذلك أنّ مجال الأحلام في أدب الرّومنطيقيّين قد اتّسع حتّى صار شاغلا لهم وجانبا مهمّا من جوانب حياتهم وشخصيّاتهم وموضوعا خصبا ينهلون منه لفلسفتهم وأدبهم.

وفي هذه الفلسفة يتردّد أنّ الحلم إيحاء إلى الإنسان بجوهر النّفس وأنّه أخصّ خصائص الحياة وأكثر مظاهرها جدّة وأنّه في صفائه صورة النّفس الصّادقة ورباط ما بين الإنسان والعالم وطريقة لمعرفة ما وراء الشّعور وما وراء الطّبيعة وفي ذلك يقول جبران

الشّعر عاطفة تتشوّق إلى القصيّ غير المعروف فتجعله قريبا معروفا وفكرة تناجي الخفيّ غير المدرك فتحوّله إلى شيء ظاهر مفهوم“.

إنّ العقل عند الرّومنطيقيّين محدود، صارم متناقض لذلك التجؤوا إلى الخيال الخلاّق وصاغوا منه أمثلة عجيبة وصورا فاتنة ألهتهم عن الواقع إلى حين. فنرى الشّابّي منسجما مع هذا التّوجّه، حين يقدّم لنا العقل في صورة شيخ أرهقه الزّمن وـعبته الأسئلة دون جدوى:

والعقل رغم مشيبه ووقاره مازال في الأيّام جدّ صغيـــر

يمشي فتصرعه الرّياح فينثني متوجّعا كالطّائر المكسور

والخيال ثلاثة أنواع:

أنواع الخيال

+ الخيال المركّب:

وهو أن يعمد الشّاعر إلى تركيب الصّورة من متعدّدكأن يركّب الشّابّي صورة المرأة في صلوات في هيكل الحبّ من الطّفولة والأحلام والصّباح الجديد

+ الخيال العجيب:

وفيه، يعمد الشّاعر إلى تحويل المظاهر الطّبيعيّة أو المادّية إلى كائنات لها عمقها البشريّ.

فيتخيّل الرّبيع في هيأة شابّ هذا وصفه:

كان الرّبيع الحيّ روحا حالما غضّ الشّباب معطّر الجلباب

يمشي على الدّنيا بفكرة شاعر ويطوفها في موكب خـلاّب

والأفق يملأه الحنان: كأنّه قلب الوجود المنتــــج الوهّاب

+ الخيال المجنّح:

وفيه يطلق الشّاعر العنان لخياله ليرسم أبعادا غير بشريّة فإذا نحن في فضاء الملائكة والسّماء والآلهة( الأشواق التّائهة)

فإذا كانت للأحلام عندهم هذه المكانة. فالمرجّح أن تتسرّب إلى شعرهم وتختلط به والمعروف أنّ الأحلام وصورها ومشاهداتها هي رموز يغلب عليها التّرابط غير المنطقيّ والاختزال الخاطف للزّمن ، تتجلّى خاصّة في الرّؤيا.