تنوّعت طرق التفنن في التحيل في المقامات، إذ عرف أبو الفتح كل ألوان الغبن وعاش على هامش المجتمع فقيرا أنهكه الفقر وكدّه الجوع.
وقد ظهرت الخصاصة على هيأته فإذا هو في أطمار بالية ” طلع إلينا ذو طمرين قد أرسل صوانا”، وكم مرة تعجّب فيها الرّاوي من سوء حاله وقعود همّته ” شدّ ما بلغت منك الخصاصة وهذا الزيّ خاصّة”.
واضطرّ لجمع المال إلى التسوّل والكدية مستحدثا في ذلك أساليب عجيبة من المكر والخداع، التحيّل والتّكدي فلبس أقنعة عديدة فما هي تجلّياتها؟
ورد القناع لفظا ومدلولا في كثير من المقامات أثناء وصف البطل المكدّي فهو رجل “قد لفّ رأسه ببرقع حياء” وهو يختنق بنفسه.
ولا يكتفي البطل بقناع واحد بل يتلون في مجموعة من الأقنعة إيغالا في التّستّر وتفنّنا في التّنكّر وأهمّها:
التفنن في التحيل في المقامات من خلال قناع التسوّل :
نجح فيه نجاحا ما جعل الرّاوي عيسى بن هشام يعترف له بالراعة والتّفوق في هذا السبيل” شحّاذ ورب الكعبة أخّاذ بل هو فيها أستاذ.” وقد تمكّن الاسكندريّ من التّمويه واستعان على تسوله بـ:
حالات العجز البائسة:
حالات العجز البائسة تجلب له الشفقة كحال العمى في المقامة المكفوفيّة ” أعمى مكفوف ” وقد وردت صفة مكفوف مسندة إلى أعمى لتؤكّد أنّ صفة العمى هي حالة ملازمة للبطل منذ ميلاده وكذلك الشّأن بالنّسبة إلى حال المرض والسّقم في المقامة الشيرازية ” أمال قناته السقم” .
الهيأة:
و قد أسهمت الهيأة التي ظهر فيها البطل خلال المقامات من تعميق مفهوم البؤس والفاقة فإذا به “في زيّ أوحشمن حاله”.
التفنن في التحيل في المقامات بالصوت:
حتى الصّوت استغله البطل المكدّي قناعا يؤثر به في النّفوس لما يوحيه من حزن وأسى يُدمي القلوب المتحجّرة “صوت شجّ” والشّجو هو الهمّ والحزن، والشجيّ الحزين المشغول البال ينطلق من صدر ضيّق كناية عن الغمّ وقد استعان بـ:
التفنن في التحيل في المقامات بأطفاله وأهله:
في أتعس مظاهر الفقر والخصاصة في المقامة الأزاذيّة وامتحنوا بالغربة وحرموا الدّفء العائليّ نتيجة تمزّق العائلة في أمكنة متباعدة تعاني ألم الفراق، فالأمّ بسرّى من رأى وهي بلدة قرب بغداد والأظفال بالقرب من جبال بصرى وهي في سوريا أمّا الأب فهو بجرجيا.
لولا عجوز لي بسرّ من رأى وأفرخ دون جبل بُصْرى
وقد تقنّع بــــ:
النّسب:
فتردّد بين الانتساب إلى العرب والانتساب إلى العجم إذ يبدو في المقامة البلخيّة قرشيّا من سادة قريش المقيمين في شعاب مكّة لا في ظاهرها “نمتني قريش ومهّد لي الشرف في بطائحها” وانتهى في المقامة الجرجانية إلى سليم وعبس “.
وينتسب في المقامة القزوينيّة إلى النّبيط زاعما أنّه أسلم وخرج على أبناء عمومته جاء يطلب مالا من المسلمين لمقاوته الكفر في وطنه ” فلو دفعتم النّار بشررها ورميتم الرّوم بحجارها وأعنتموني على غزوها مساعدة وإسعادا ومرافدة وإرفادا ولا شطط فكلّ على قدرته”.
وكان المكدّي ينقلب بحسب ما تقتضيه الظّروف والأحوال وقد عبّر عن ذلك في شعره الذي ينبض صدقا
أنا حالي من الزّما ن كحالي من النّسب
نسبي بيد الزّما ن إذا سامه انقلب
أنا أمسي من النبيط وأضحي من العرب
وقد اختفى أبو التح وراء