التّغريب في مغامرة رأس المملوك جابر
مفهوم التّغريب
التّغريب ظاهرة متأصّلة في حياة الإنسان، يمارسها دون وعي جاهز أو دراية مسبقة، فهو أداة وعيه بالظّواهر على اختلافها، فالانسان في حياته اليوميّة يسعى إلى إفهام غيره تصوّراته باعتماد التّغريب (فالمدرّس يميل إلى التّغريب عن تقديم درسه للتّلاميذ أو الطّلبة مثلا).فالتّغريب، إذن، تقنية تهدف إلى لفت انتباهنا إلى ما يبدو عادة شيئا مألوفا فيصيّره شيئا فريدا له خصوصيّته وله مميّزاته، كأنّ المُشاهد يراه لأوّل مرّة وبذلك تبدأ الرّحلة نحو إعادة إدراكه والتّبصّر بحقيقته وفحصه بطريقة جديدة مختلفة عمّا أُلِفَ.فالتّغريب قطع مع البداهة فيبدو الشّيء البديهيّ بفضل التّغريب غامضا يحتاج إلى الشّرح والتّوضيح ولكنّه يصبح مفهوما على نحو أوضح إذ يتمّ استيعابه من جوانبه كافّة بعد أن ألقي الضّوء على بعض جوانبه الخفيّة أو المهملة.وبعبارة أخرى نحن ننبذ التّصوّر الشّائع الّذي يزعم أنّ هذا الشيء أو ذاك لا حاجة له إلى الإيضاح، وبذلك نجعله يظهر فريدا متميّزا ومن ثمّ نكسب انتباه الآخرين.ويعدّ التّغريب من المفاهيم المركزيّة في مسرح بريشت وقد تأثّر سعد اللّه ونّوس بهذا الاتّجاه التّغريبيّ في مسرحيّته “مسرحيّة مغامرة رأس المملوك جابر” ولا تقف حدود التّغريب عند البناء العام للمسرحيّة وإنّما يتجاوز ذلك إلى كلّ عناصرها الممثّل والدّيكور والفضاء الرّكحيّ والمشاهد الإيمائيّة.