فقرات في وصف الفصول والطّبيعة الشتاء الخريف العاصفة
الشتاء
قَدِمَ الشِّتَاءُ بثلوجِه وعواصِفِهِ، وغَمرت الظّلمةُ البطاحَ والأَوْدِيَةَ، وَعَصفتْ الرّياحُ مُلَعْلِعَةً مِنْ أَعَالي الجِبال، فمالت لِهَوْلِهَا الْأَشَجَارُ، وَصَارَتِ الحُقولُ والممرّات كَصَفْحَةٍ بَيْضَاءَ كَتَبَ عَلَيْهَا الْمَوْتُ سُطُورًا مُبْهَمَةً ثُمَّ مَحَاهَا وَفَصَلَ الضّبَابُ بَيْنَ القرَى الْمَنْثورَةِ عَلى كَتِفِ الوَادي وَقبض الرُّعْبُ عَلَى النّفوسِ.
الخريف
ابْتَلّ جناحُ الهَوَاء، وَتَغشّتِ السّمَاءُ بسحائِبَ مُتَلاَصِقَةٍ، مُتتابعةٍ، آخِذٌ بَعضُها بِخِناقِ بعضٍ. فَلَمْ تَعُدْ سِهَامُ النّورِ تَنْجَحُ في تشتيتِ شَمْلِها. فَما أنْ تظْهَر ثُغرَة في صفوفها، حتّى تتجلّى خلالها ملكة النّور بوجه عليل أصفر، ونظرة حزينة كسيرةٍ.
وكثيرا ما تهبّ الرّياحُ منْ مجاريها، تنفخ وتَصْفِرُ بعد أن طال سكون الطّبيعة. فتمرّ مسرعةً تزأرُ في الشّوارع، وتهدر حول المنعطفات، وتشمخ متعالية على الأشجار الّتي أخذت تُطأطىء الرّأس صاغرة، تاركةً لرياح الخريف أنْ تعرّيَها من أوراقها الذّابلة، وأن تتلاعب بها كيف تشاء، فما أن تطرحها أرضا حتّى تعود إلى حملها كأنّ رأفةً قد أدركت قلبها.
للغيم في سمائنا بهجة، فمنها ما هو بالقاتم. والأدكن، ومنها ماهو بالمحمرّ والأصفر…. فما أجمل غيومنا الراسمة ظلّها اللّطيف على روابينا وتلالنا مليئة بطيوف الغيوم السّائرة في الأفق البعيد إلى اللاّنهاية… فتخال القبّة الزّرقاء عروسا في إبّان لهوها وزهوها، تخلع وترتدي في كلّ آونة ثوبا من ثياب العرس… فأهلا بهذه السّحب الجميلة الظّلال والخيال.
هذه السّحب هي منبع الخير والرّزق. ولولاها لما ازدهت الأرض، أو تعالت وشمخت السّنابل. وما اعتلت وردة على عود، وتورّدت تفّاحة على غصن واخضوضرت شجرة، وابتسم غدير.
تعالي أيّتها الغيوم وامطرينا برذاذك الخلاّب، وقطراتك العذبة. تعالي فنحن في عطش شديد إلى منهلك العذب.
بوادر عاصفة
أصبحنا وإذا الشّمس تنشر، على القرية وما حولها من هذه الآكام الكثيرة المتعالية، غشاءً رقيقا جدّا من الضّوء يسحرُ العينَ، ولكنّه يثير في النّفس شيئا من الحزن والأسى لما ينقصه من القوّة والثّبات والاستقرار. وما هي إلاّ ساعة، حتّى انجاب على الرّبى والآكام هذا الغشاء المهلهل من ضوء الشّمس، وامتلأ الجوّ بهذا السّحاب الّذي كان يسعى ثقيلا مُظلما: فهذه الآكام تٌحْجَبُ عنّا، وهذه السُّحُبُ الثّقيلة البطيئة تقترب من الأرض وتسعى في السّماء متدلّية، كأنّها تزحف على الأرض زحفا، وهذه ظلمة كثيفة تأخذُنا من كلّ جانبٍ …. ثمّ أخذنا نسمع قصف الرّعد بعيدا ولكنّه يدْنو. وإنّما لعاصفة عنيفة قد ثارت في السّماء، فوقّفت الحركةَ، وألجأَت النّاسَ إلى دورٍهمْ.
فقرات في وصف الفصول والطّبيعة