الإضحاك في بخلاء الجاحظ

الإضحاك في بخلاء الجاحظ عنصر بارز كثير الشّيوع. فقد كان الجاحظ مطبوعا على الظّرف والفكاهة، ميّالا يبدو عليه السرور وحب الدعابة وخفّة الروح، وكان لطيف المعشر حلو الحديث، مرح النفس متهلّل الخاطر سريع البديهة سريع النّكتة. ويمتاز كتاب البخلاء بشكل خاص بالسخرية المبثوثة في كل قصّة من قصصه وكلّ صورة من صوره.

والجاحظ في كتاب البخلاء يدعو دعوة صريحة إلى الضّحك والمزاع والفكاهة ويدافع عنها، فخصّ جزءا من المقدّمة تحدّث فيه عن المزاح وعرض لوجوه النّظر المختلفة، وقارن بينه وبين البكاء وقد حدّد فيه فلسفته في الخاصّة الضّحك ومواضعه ومدى حاجة الانسان إليه حتّى ليصبح ضرورة من ضرورات حياته. يقول الجاحظ:” وللضّحك موضع وله مقدار وللمزح موضع وله مقدار، متى جازهما أحد وقصّر عنهما أحد، صار الفاضل خطلا والتّقصير نقصا. فالنّاس لم يعيبوا المزح إلاّ بقدر، ومتى أريد بالمزح النّفع وبالضّحك الشّيء لالّذي له جعل الضحك صار المزح جدّا والضّحك وقارا.

ويعتمد في دفاعه عن الضّحك على القرآن الكريم فيورد الآية الكريمة”وأنّه هو أضحك وأبكى، وأنّه هو أمات وأحيا”. ويعقّب عليها بأنّ اللّه وضع ” الضّحك بحذاء الحياة ووضع البكاء بحذاء الموت وأنّه لا يضيف اللّه إلى نفسه القبيح”

ويستمرّ في دفاعه عن الضّحك في أنّ العرب تسمّي أولادها بالضحّاك وبسّام وبطلق وطليق وأنّ الرسول وصحابته قد ضحكوا ومزحوا وأنّ العرب إذا مدحوا قالوا: ” هو ضحوك السنّ وبسّام العشيّات وهشّ إلى الضّيف.” بل إنّ الجاحظ يحدّد الهدف من الكتاب في ثلاثة أشياء:” تبيّن حجّة طريفة أو تعرّف حيلة لطيفة أو استفادة نادرة عجيبة، وأنت في ضحك منه إن شئت وفي لهو إذا مللت الجدّ“.

إنّ دعوة الجاحظ إلى الضّحك من خلال الإضحاك في بخلاء الجاحظ هو جزء من نظرته العامّة إلى النّادرة والدّعابة الّتي استخدمها في كتاباته الجدّية كما استخدمهافي كتاباته الهزلية. فهو يرى أنّ العقل يتعب من الجدّ ويحتاج التّرويح وحرصا منه على ربط القارئء بكتبه عمد إلى الانتقال من الجدّ إلى الهزل وإلى الجدّ ما أكسب كتاباته ميزة الاستطراد.