الرحيل المنطلق والرحيل المنتهى في رواية حدّث أبو هريرة قال : ….

الرحيل المنطلق و الرحيل المنتهى ومقاصدهما

المقال:

انغلقت رواية حدّث أبو هريرة قال:… مثلما ابتدأت على رحيل بطل يسعى إلى التحرّر من القيود وملء الكيان.

حلّل هذا القول مبديا رأيك معتمدا شواهد دقيقة مما درست

التحليل:

ابتداء رواية حدّث أبو هريرة قال:… على الرّحيل (حديث البعث الأوّل)

  1. الرّحيل:

 تحوّل أبي هريرة من مكّة إلى الصّحراء: قال الرّاوي/البطل” ثمّ خرجنا من مكّة وانصرفنا عن طريق القوافل… وسرنا سيرا حثيثا حتّى أصبنا الرّمال”. (حديث البعث الأوّل) ـــــ  الخروج من مكّة إلى الصّحراء خروج سيفرز انقلابا فكريّا ونفسيّا ووجوديّا في ذات أبي هريرة.

زمن الرّحيل:

 قال البطل/ الرّاوي:”… فلمّا كان الغد سبق الفجر إليّ…” (حديث البعث الأوّل) ـــــ  الفجر من حيث هو زمن الرّحيل يأخذ دلالة رمزيّة: الفجر فاصل بين الظلمة والضّياء، بين العتمة والنّور بين العدم والوجود…                          ــــ قال المسعديّ:” رمز الفجر إشارة إلى ابتداء الحياة أو ابتداء المغامرة الوجوديّة الواعيّة” ــــ سيكون للفجر أهمّية كبرى في مسيرة أبي هريرة الّتي كانت بدءا أبديّا: قال البطل:” إذا استطعت فاجعل كامل حياتك فجرا”

دلالة الرّحيل:

رحيل البطل في المكان الأفقيّ من مكّة إلى الصّحراء يأخذ دلالات رمزيّة:

الرّحيل تحوّل من مكّة رمز العمران والمجتمع والحضارة والإسلام والأخلاق والتّزمّت إلى الصّحراء رمز الخلاء والطّبيعة والفطرة والوثنيّة والإباحيّة والسّرور والمتعة. ـــــ  مشهد رقص الفتى والفتاة وهما في زي آدم رمز للفرح الوجوديّ ودعوة الدّنيا ونداء الانتشاء… ـــــ مشهد الرّقص احتفال مقدّس بالجسد والحياة.

الرّحيل من مكّة إلى الصّحراء رحيل من دنيا المسلم التّقليديّ إلى دنيا جديدة دنيا المتعة: متعة الحواسّ والفناء في فرحة الكون والابتهال الوثنيّ المقدّس للشّمس. ــــــــ  قال توفيق بكّار:” المتأمّل في معاني المكان (مكّة/ الصّحراء) يدرك أنّ الرّحلة من مكّة إلى الواحة كانت تنقّلا فكريّا من ثقافة إلى أخرى : الأولى مركزها المدينة ومحورها الله والثّانية مركزها الطّبيعة وحورها الإنسان”.

نتائج الرّحيل: ولّد الرّحيل في المكان الأفقيّ من مكّة إلى الصّحراء في أبي هريرة تحوّلين:

تحوّل نفسيّ: الشّعور بالانتشاء والمتعة والانسجام الرّوحيّ مع الرّقصة الوثنيّّة المقدّسة للشّمس… قال البطل الرّاوي:” ودام ذلك ساعة فرحت له أريحيّة عذبة وصرفني عن صديقي وهزّني الطّرب حتّى كدت آخذ في الرّقص من حيث لا أشعر…”.

تحوّل وجوديّ: الرّحيل تدشين لبداية المسيرة الوجوديّة لأنّه ولّد في البطل الرّاوي نفيا للماضي وانعتاقا منه من جهة وبداية البحث عن الكينونة المفقودة من جهة ثانية ــــ قال البطل/ الرّاوي:” فذهب ذلك بما تصنّعت من العزم وكان البعث”. ـــــ البعث المقصود ليس البعث الميتافيزيقيّ وإنّما البعث الوجوديّ انقلاب تفكير البطل ورؤيته للوجود ولحياته: ـــــــ  عودة البطل إلى مكّة جسدا بلا روح نتيجة اكتشافه فراغ حياته من المعنى.

تحوّل أبي هريرة من مكّة إلى الصّحراء تحوّل من السّكون إلى الحركة ومن الموت إلى الحياة في فردوس الأرض: الرّحلة في المكان الأفقيّ مثّلت ولادة ثانيّة لأبي هريرة. ــــ الولادة الأولى هي الولادة الطّبيعيّة والولادة الثّانية هي الولادة الوجوديّة. ــــــ  كره أبي هريرة حياته بين الأموات واستجابته لدعوة الحياة ورفضه لمجتمع المدينة: ـــــ قال توفيق بكّار:” فما خرج البطل من فقط وإنّما خرج أيضا عن وعلى… ” (جدليّة الشّرق والغرب).

انغلاق قصّة حدّث أبو هريرة قال:… على الرّحيل:

انغلاق قصّة حدّث أبو هريرة قال:… على الرّحيل تجسّم في حديث البعث الآخر.

  1. الرّحيل:

 دعوة أبي هريرة أبا المدائن إلى ” يوم ليس من الدّهر ”( حديث البعث الآخر). دعوة  تحوّل بمقتضاها أبو هريرة من تابع لصديقه في ” البعث الأوّل ” إلى رائد ودليل لصديقه أبي المدائن في ”البعث الآخر…” … ـــــ تحوّل أبي هريرة إلى قبس من نور وجوديّ ونفس من روح الحياة يشيع الحركة في من حوله.

زمن الرّحيل:

 قال البطل لصديقه أبي المدائن” تأتيني غدا قبل الغروب” ( حديث البعث الآخر) ـــــ الغروب يأخذ دلالة رمزيّة: الغروب رمز لنهاية التّجربة لأبي هريرة وبلوغه مبتغاه. ــــ مسيرة أبي هريرة الوجوديّة كأنّما هي يوم واحد كأنّما هي يوم واحد: بدأت فجرا وانتهت غروبا وما بين الفجر والغروب أربعون سنة

مكان الرّحيل:

 قال أبو المدائن الرّاوي:”فإذا نحن قد وصلنا جبلا حزيزا صعودا.” (حديث البعث الآخر ) ـــــ الجبل يأخذ دلالة رمزيّة: الجبل رمز للتّعالي في عالم النّاس والقرب من عالم السّماء. ـــــ الجبل وسط بين الحيوانيّة ( عالم النّاس والعرض والألوهيّة)( عالم الحقّ والجوهر ) ـــــ الجبل رمز لمنزلة الإنسان في الكون: تمزّقه بين الحيوانيّة والألوهيّة.

نتائج الرّحيل:

 قال أبو المدائن الرّاوي:” سمعت صخورا هاوية وصهيل ألم وصيحة كصيحة الفرح تملأ الوادي”. (حديث البعث الآخر) ــــــ انغلاق قصّة حديث أبو هريرة قال:… على تجاوز البطل لعالم العرض والدّنيا وانفتاحه على عالم الجوهر والأبد والحقّ… ــــــ فناء أبي هريرة في ا”: نهاية صوفيّة تخلّص فيها البطل من قيود النّسبيّة ليحلّ في عالم الدّيمومة واللاّتناهي والأزل. البعث الأوّل رمز لبداية المسيرة الوجوديّة لأبي هريرة والبعث الآخر تتويج لهذه المغامرة.

سعي البطل إلى التّحرّر من القيود ونحت الكيان

سعي البطل إلى التّحرّر من القيود: من خلال

انعتاق البطل من حياته القديمة: وضع أبي هريرة لنمط وجوده في مكّة بتحرّره العلاقات الاجتماعيّة (الزّوجة ) والأخلاقيّة والقيميّة…

تحرّر البطل من مكّة المكان: انقطاع البطل عن مكّة باعتبارها ثقلا حضاريّا وعالم القيم المتدهورة وفضاء الزّيف والاتّباعيّة واللّامعنى. ـــــ معانقة البطل لعالم الصّحراء والكهف وكراع الغميم والجبال… ـــــ عودة البطل إلى الطّبيعة كرمز لبراءة الوجود وطهارة الكون وفضاء الرّحيل الأبديّ: تماثل الأمكنة مع جوهر البطل بما هو ” كالماء يجري، لم نقف له في حياته على وقفة قطّ، كالمستعدّ إلى الرّحيل لا ينقضي عنه الرّحيل”. ( حديث الشّيطان)

-حرص البطل على الاستقلاليّة الذّاتيّة والتّحرّر من كلّ ارتباط: تأسيس أبي هريرة وجوده على الإبداع وإبداعيّة الفعل الكيانيّ تكمن في فرديّته. تخلّص أبي هريرة من المكان الأفقيّ ( الدّنيا مكان العرض الزّائف ) والارتقاء إلى المكان العموديّ ( السّماء عالم الجوهر والحقائق الخالصة ). ـــــ استحالة البطل الصّعّادة في مغامرته الوجوديّة انتهت به إلى الانفتاح على عالم المطلق

نحت الكيان:

-اضطلاع البطل بمغامرته بمغامرته الوجوديّة في حرّية ومسؤوليّة وإرادة حقّق له شرفه الإنسانيّ وحرّره من عالم الأحياء الأموات.

اكتشاف ابعاد الكيان: البعد الفرديّ الحسّيّ ( الجسد ) البعد  الاجتماعيّ (الفعل) البعد الدّينيّ ( الإيمان) البعد العقليّ ( الحكمة ) ـــــ الإنسان متعدّد الأبعاد.

الانفتاح على الأزل والفناء في اللّه: مكافأة المسعديّ بطله من خلال إفنائه في عالم السّماء رمزا لمنتهى المغامرة الوجوديّة الأصيلة: الخلاص الصّوفيّ في حديث البعث الآخر تأكيد على أنّ الإنسان ذات فرديّة محدودة مشتقّة من ذات الله المطلقة. ـــــ المغامرة الوجوديّة ضرب من الحنين إلى الأصل الإلهيّ في رؤية المسعديّ

إبداء الرّأي: حدود الرحيل المنطلق و الرحيل المنتهى والمقاصد

من قبيل:

  • الرّحيل لم يكن ميسم البداية والنّهاية وإنّما كان ملمح البطل في كامل مسيرته الّذي يرتاد ولا ينزل فهو ” كالماء يجري، لم نقف له في حياته على وقفة قطّ، كالمستعدّ إلى الرّحيل لا ينقضي عنه الرّحيل”
  • لم يكن سعي البطل إلى التّحرّر ونحت الكيان مقصورا على البداية والنّهاية وإنّما كان ذلك جليّا من خلال التّجارب الّتي خاضها.

الرحيل المنطلق و الرحيل المنتهى والمقاصد